زيارة بميزان الخبراء.. البرهان يفتح من مصر نافذة أمل في السودان
تعلقت أنظار السودانيين بمباحثات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في مصر في أول زيارة خارجية له منذ اندلاع الأزمة منذ نحو 5 شهور.
ومثلت المعارك الضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي أعنف أزمة يشهدها بلد عانى لسنوات من ويلات الحرب الأهلية.
وتركت الأزمة البلد الأفريقي الذي يعاني اقتصاديا أمام كارثة إنسانية وسط نزوح ملايين السودانيين جراء المعارك التي دارت رحاها في شوارع العاصمة قبل أن تنتقل إلى عدد من المدن الأخرى.
وترتبط زيارة البرهان لمصر الثلاثاء، بمتابعة تنفيذ مخرجات وخطة عمل قمة دول جوار السودان؛ لوقف الاقتتال بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، والتوصل إلى حل شامل، بحسب خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية".
وقال الخبراء، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، إن قمة دول جوار السودان وضعت "خارطة طريق" على ثلاثة مسارات تتمثل في وقف التصعيد بين الطرفين المتصارعين، والمسارين الإنساني والسياسي، وإعادة الإعمار، وهي المسارات الجاري العمل على متابعتها وتنفيذها.
ووصف الخبراء في الوقت ذاته، زيارة البرهان بـ"الناجحة" وسيتم البناء عليها لحل الأزمة وإن استغرق الأمر بعض الوقت، دون أن يستبعدوا حدوث تنسيق عربي واسع مع مبادرة دول الجوار خلال الفترة المقبلة.
وأجرى البرهان خلال زيارته لمدينة العملين غرب القاهرة، مباحثات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، تناولت سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، بجانب تطورات الأوضاع في السودان.
وأكد البرهان في تصريحات أعقبت المباحثات أن القوات المسلحة (السودانية) لا تسعى للاستمرار في الحكم، وأن ما يسعى له الجيش هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وأضاف قائد الجيش السوداني قائلا "نسعى لاستكمال المسار الانتقالي الديمقراطي إلى أن يختار الشعب السودان من سيحكمه".
مسارات الحل
السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، وصف زيارة البرهان بـ"الناجحة"، قائلا في حديث لـ"العين الإخبارية" إن الزيارة يمكن البناء عليها لقطع خطوات إيجابية وبناءة في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار وحل الأزمة السودانية وإن استغرق الحل بعض الوقت.
وأكد أن زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني، لمصر، تأتي في إطار التوافق حول مبادرة دول جوار السودان، ومتابعة تنفيذ خطة العمل التي وضعها اجتماع دول جوار السودان الذي عقد في تشاد أغسطس/آب الجاري.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الزيارة ترتبط بمخرجات قمة دول الجوار، التي حددت 4 مسارات كخارطة طريق لحل الأزمة السودانية، الأول: وقف التصعيد بين الطرفين المتصارعين، وضرورة وقف شامل ومستدام لإطلاق النار، أما الثاني فهو إدارة القضايا الإنسانية.
وأضاف أن "الزيارة ربما ركزت على المسار السياسي، المتعلق بإدارة حوار بين الأطراف السودانية، والوصول لرؤية شاملة لمشاركة كافة القوى المدنية في التوصل لتوافق سياسي فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة كفاءات لفترة انتقالية، وتسليم السلطة لحكومة مدنية وهو أمر أكد عليه الرئيس البرهان ودار في المحادثات بينه وبين الرئيس السيسي باعتباره جزءا لا يتجزأ من مبادرة دول الجوار".
وعقد في 6 أغسطس/آب الجاري في العاصمة التشادية نجامينا، اجتماعات وزراء خارجية دول جوار السودان، وفقاً للتكليف الصادر من قمة رؤساء دول وحكومات الدول المجاورة للسودان، والتي انعقدت بالقاهرة في 13 يوليو/تموز الماضي، وشارك فيها قادة 7 دول أفريقية.
وأعلنت 5 دول مجاورة للسودان في 7 أغسطس/آب الجاري، خطة عمل، وشددت خلالها على أهمية "الاتصالات المباشرة والمستمرة" مع الأطراف المتحاربة من أجل وقف دائم لإطلاق النار.
كما نبه نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية إلى أن زيارة البرهان جاءت أيضا في إطار التطورات التي يشهدها السودان سواء في الخرطوم أو في بعض الولايات، والتي تتعلق بالصراع المحتدم بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع وما يمكن أن يترتب عليه من تداعيات سلبية على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وفرص التدخل في الشأن الداخلي وهو أمر ترفضه مصر بشدة، وأيضا دول الجوار.
جهود دبلوماسية متواصلة
من جهته، قال السفير محمد العرابي، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن الجهود الدبلوماسية تستمر لحلّ الأزمة السودانية، والوصول لحل سياسي يحافظ على وحدة الأراضي السودانية.
وأكد العرابي أن "الجهود المصرية تتكامل وتكمل بعضها لوقف التصعيد بين طرفي الصراع، والتوصل لحكومة وحدة وطنية، ووحدة المؤسسات السودانية، وذلك ضمن موقف القاهرة الثابت من الأزمة السودانية منذ بدايتها.
ولمح رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية إلى أن زيارة البرهان للقاهرة تدعم موقفه، وتحركاته الخارجية كرئيس للسودان، واستقباله كرئيس للدولة تصحيح لموقف أدى لتفاقم الأوضاع".
ووصف وزير الخارجية المصري الأسبق، زيارة البرهان للقاهرة والسعودية لاحقا، بالتحرك الذكي؛ لما للبلدين من تأثير في الموقف الداخلي بالسودان.
ورأى العرابي أن إعلان البرهان التزام القوات المسلحة بالسعي لاستكمال المسار الانتقالي الديمقراطي، تعهد يحتاج إلى إرادة سياسية على الأرض.
رؤية لحل الأزمة
وبدوره، قال الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية طارق فهمي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن القاهرة طرحت رؤية لحل الأزمة السودانية، تحمل تأكيدا على مرجعيات عملية السلام، وتحقيقها وحل وتحليل الصراع في السودان بصورة كبيرة وتوحيد المؤسسات السودانية، وفقا لآلية عمل خطة دول جوار السودان، والجهود التي تقوم بها الأطراف الإقليمية والدولية في هذا الإطار.
ورأى فهمي أن أبرز تداعيات زيارة البرهان لمصر، هي التأكيد على أن رئيس مجلس السيادة السوداني بعد 4 أشهر من الحرب يخرج إلى الواجهة السياسية، ويطل من أكبر دولة عربية ثم تليها زيارات لاحقة للسعودية وقطر والكويت وتشاد.
وفي ملمح آخر للزيارة، قال فهمي إن "زيارة البرهان عودة للجانب التفاوضي مرة أخرى، المرتبط بالخطاب الجديد الذي أعلنه (قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو) حميدتي في مبادة النقاط العشر الرئيسية في هذا الإطار ورغبة الطرفين في إمكانية التلاقي.
وجاءت زيارة البرهان إلى مصر، غداة طرح حميدتي رؤيته لحل الأزمة السودانية، عبر حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا).
رؤية حميدتي شملت 10 مبادئ أساسية من بينها الدعوة إلى "حكم ديمقراطي مدني يقوم على الانتخابات الحرة العادلة، يشمل كل المكونات السياسية، مع أهمية تأسيس جيش سوداني جديد ومؤسسات حكومية تتوافق مع المعايير العالمية، والبحث عن اتفاق لوقف إطلاق النار طويل الأمد مقرونا بالحل السياسي الشامل الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان، واختيار نظام فيدرالي مناسب تتمتع بها الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي والعمل على إشراك أكبر قاعدة سياسية واجتماعية ممكنة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من كافة أنحاء البلاد مع ضرورة أن تعكس الحكومة المدنية في تشكيلها كافة أقاليم البلاد عبر آليات وأسس يتم الاتفاق عليها.
تنسيق عربي مع الجوار
وأكد فهمي أن "للوسيط المصري دورا مركزيا، بعد أن طرحت مصر رؤيتها وآلية العمل على المستويين الإقليمي والدولي"، مضيفا أن "القاهرة تقف على مسافة واحدة من الطرفين، واستقبالها للبرهان يأتي في هذا السياق بمعنى أن القاهرة تفتح الباب المغلق أمام إمكانية لعب دور مباشر تجاه الطرفين في هذا التوقيت".
وبين أن القاهرة تتمتع بمصداقية في التحرك لدى الجيش وقوات الدعم السريع، لأنها تعمل لحسابات الحفاظ على مقدرات الدولة السودانية، ووحدة التراب السوداني فقط".
وإلى جانب آلية عمل دول الجوار، أكد الأكاديمي المصري، أيضا أن هناك فرصا لإمكانية التنسيق العربي مع دول الجوار، بما تملكه القاهرة من اتصالات مع الأشقاء العرب، والاتصالات التي جرت مع الإدارة الأمريكية وكل ذلك يخدم مسارات الحركة المصرية في هذا الإطار
لكنه حذر من أن "استمرار الأوضاع في السودان بهذا الشكل خاصة في دارفور تشير إلى أننا أمام سيناريو صفري، سيؤدي إلى كوارث عديدة".
aXA6IDMuMTQ1LjMzLjIzMCA= جزيرة ام اند امز