رؤية "الدعم السريع" للحل بالسودان.. التوقيت وأفق التنفيذ
حراك عسكري وسياسي متتالٍ، يشهده السودان الذي يبحث أطراف الصراع فيه عن حل ينهي أزمة استمرت لأشهر، وأنهكت البلاد والعباد.
وعلى مدى الأيام الماضية تسارعت وتيرة التطورات في المشهد السياسي والعسكري، وذلك مع خروج الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة من الخرطوم، وزياراته لعدد من المناطق العسكرية والمدنية بالبلاد ووصوله إلى بورتسودان.
هذا الخروج الذي أشار البرهان في تصريحات صحفية، إلى أنه منسق مع الجيش، وتزامن ذلك مع تكهنات مختلفة من قبل الخبراء والمراقبين؛ يذهب البعض إلى أن رئيس مجلس السيادة، يحاول البحث عن تسوية سياسية للأزمة التي لم تحسمها الحرب على أرض الواقع.
ويذهب البعض الآخر إلى أن البرهان ترك القيادة لمساعديه، وذهب إلى العاصمة الإدارية الجديدة للبلاد في بورتسودان لترتيب دولاب الدولة وسد الفراغ السياسي الذي انشغل عنه بسبب الحرب، وأنه من المتوقع أن يشكل حكومة تكنوقراط يكون مقرها بورتسودان، ومن بعدها يقوم بجولة خارجية يبدأها بمصر ثم السعودية، مع أنباء عن زيارة لدولة الإمارات.
الأنباء عن تشكيل الحكومة، دون تسوية سياسية، أثارت تخوفات من أن ذلك قد يجعل الدعم السريع يقوم بخطوة مقابلة، ليتحول السودان بعد ذلك إلى سلطة تنفيذية برأسين؛ حكومة البحر التي تتبع للجيش في بورتسودان، وحكومة النهر التي سيشكلها الدعم السريع في الخرطوم، مما يثير قلقا في الداخل والخارج على مستقبل البلاد.
رؤية "حميدتي" ما لها وما عليها
في الأثناء طرح قائد "قوات الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" عبر صفحته على منصة "إكس" (تويتر سابقا) رؤية شاملة للحل في السودان تشمل 10 مبادئ أساسية تدعو إلى "حكم ديمقراطي مدني يقوم على الانتخابات الحرة العادلة، يشمل كل المكونات السياسية، مع أهمية تأسيس جيش سوداني جديد ومؤسسات حكومية تتوافق مع المعايير العالمية، والبحث عن اتفاق لوقف إطلاق النار طويل الأمد مقرونا بالحل السياسي الشامل الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان، واختيار نظام فيدرالي مناسب تتمتع بها الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي".
خروج رؤية الدعم السريع في هذا التوقيت، عكس مؤشرات مهمة عن دلالات التوقيت، وإمكانية تحقيقها لنتائج نهائية لحل الأزمة في السودان، وهنا انقسم الخبراء حول فحوى الرؤية بين من يرى أنها "رؤية شاملة تؤسس للحل الشامل للأزمة الوطنية في البلاد فعلا، وأنه لا يمكن معالجة الأزمة الأخيرة بمعزل عن الأزمة الكلية للسودان"، وبين من يعتبرها "رؤية قديمة ومطروحة من قبل قوى سياسية (بعينها) أرادت أن يكون الدعم السريع هو لسان حالها في هذه المرحلة، بعدما شعرت بأن الأحداث من الممكن أن تتجاوزها، أو على الأقل تسحب منها مركز الصدارة الذي كانت تحتله طيلة الأربع سنوات بعد الثورة"، وبرر أصحاب هذا التفسير ما ذهبوا إليه بأن "الدعم السريع قوة عسكرية ليس من حقها طرح رؤية سياسية".
الدعم السريع من جانبها أكدت على لسان الدكتور إبراهيم مخير عضو المكتب الاستشاري للعلاقات الخارجية لـ"حميدتي" أن "هذه الرؤية شاملة تؤسس لحل شامل، وأنها خاطبت جذور الأزمة الكلية، فلا يمكن معالجة الأمر بمعزل عن الأزمة الكلية".
كما ترى أن "هناك مشكلة في البنية الأساسية للدولة المركزية، ولا بد من تغيير الهياكل المركزية في الدولة عن طريق الفيدرالية، بإعطاء خصوصية في حكم المناطق المختلفة للاستفادة من ثرواتها، وأعلنت اعتمادها على منبر جدة لمناقشة هذه الرؤية".
في المقابل يرى خبراء أن "منبر جدة ليس به مسار سياسي، لمناقشة مثل هذه الرؤى السياسية، وأنه متعلق بإجراءات لوقف إطلاق النار وتوصيل الإغاثات"، كما أكدت الدعم السريع على لسان مستشارها مخير على "ضرورة مشاركة كل حركات الكفاح المسلح في الحل"، وهو ما رأى فيه محللون "مغازلة للحركات المسلحة لضمان استقطابها لهذه الرؤية".
بدء الحوار
استطلعت "العين الإخبارية" آراء محللين وخبراء حول رؤية الدعم السريع ودلالات طرحها وهل يمكن أن تحقق نتائج على الأرض.
عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية يرى أن "رؤية الدعم السريع المطروحة مؤخرا خطوة في الاتجاه الصحيح، وتعني بدء حوار سياسي، بعد وقف الحرب، وهذا يعني عمليا الالتزام بتطبيق اتفاق المبادئ بالخروج من المنازل والأماكن العامة".
وقال ميرغني لـ "العين الإخبارية": إن رؤية "الدعم السريع" في هذه الجزئية تتوافق مع رؤية الجيش، وتعكس أن هناك تقاربا في وجهات النظر بين الخصمين، مضيفا أن "معظم بنود هذه الرؤية ليس عليه خلاف، وأن الجميع متفق على دولة المؤسسات والحكم المدني الديمقراطي"، مستدركا في الوقت نفسه أن "الخطأ الكبير فيها هو الإشارة إلى جيش قومي (جديد)، وأن كلمة جديد هي غير مقبولة مع جيش سوداني عمرة 100 عام، وذلك يعطي هزيمة للجيش"،
وتابع أن "الحديث عن تطوير الجيوش أمر طبيعي، والحديث عن جيش مهني موحد وإلغاء كل الجيوش الموجودة وإدماجها في الجيش السوداني نفسه، أما كلمة جديد تعطي انطباعا بجيش (بديل)"، لافتا إلى أن "هذه الرؤية ليس معناها قبول الدعم السريع في النادي السياسي".
رسالة للخارج
وحدد ميرغني شروطا لقبول دخول قوات الدعم السريع للعبة السياسية، قائلا: "من الممكن أن نقول للدعم السريع إذا كان لديك الرغبة في دخول الملعب السياسي، عليك أن تضع السلاح أولا، وهذا سيتوقف على مدى قبول الجانب الشعبي والسياسي بهذا التحول".
ورأى ميرغني أن "الدعم السريع لا يخاطب الداخل السوداني بهذه الرؤية، وأنه يوجه رسالته للخارج؛ فهناك قرار مرتقب للرئيس الأمريكي جون بايدن بتجميد كل أموال الدعم السريع وممتلكاته واستثماراته بالخارج، وهي استثمارات ضخمة جدا وفي دول كثيرة، وينتظر في الأفق إجراءات للمحكمة الجنائية الدولية بناء على تقارير دولية تؤكد انتهاكات جسيمة للدعم السريع، والأخيرة تحاول أن تقول عبر رؤيتها بأنها تستشرف انتقالا سياسيا وديمقراطيا سليما، وإذا كان هناك قرارات تعد خلف الكواليس فلتنتظر رؤيتنا"، مشددا على أن "الجيش لن يتعاطى مع هذه الرؤية في الوقت الحالي، وسيخوض معركته للنهاية، إلى أن يصله قرار نهائي بوقف الحرب".
ميرغني يرى في الأخير أن "الدعم السريع يسير في خطة على ثلاث مراحل أولها الإبقاء على قوته العسكرية بصورة مؤقتة لحين ترتيبات الدمج التي لم يعترض عليها منذ البداية، ولكنه كان يختلف على مدة هذا الدمج".
أما المرحلة الثانية -يضيف ميرغني- فهي "إعلان هذه الرؤية بالتحول لقوة سياسية، بأن يكون واجهة لقوى سياسية، وإذا فشلت هذه الرؤية تأتي المرحلة الثالثة وهي الحفاظ على قوة الدعم السريع الاقتصادية في داخل وخارج البلاد، مع الرهان على وضع سياسي جديد".
موقف تفاوضي
أما فائز السليك؛ مستشار رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، فرأى أنه "يمكن اعتبار الرؤية موقفا تفاوضيا ورغبة في التفاوض، وخطوة إيجابية تدفع للأمام في المفاوضات"، لكن مع "ضرورة وضع قوات الدعم السريع للسلاح" أولا .
مضيفا في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن رؤية الدعم السريع "يؤخذ عليها أنها لم تشر إلى الحرب الحالية وانتهاكاتها"، منبها إلى أن "توقيت خروج هذه الرؤية وتزامنها مع خروج البرهان يؤشر بأن هناك ما يحاك بصورة جدية في التفاوض".
وفي هذه النقطة شدد على أن "خروج البرهان من دائرته الضيقة سيجعله يرى الأمور بشكل شامل بعيدا عن قعقعات السلاح، وسيمكنه من التواصل مع المجتمع الإقليمي والدولي".
بل ذهب مستشار حمدوك السابق أبعد من ذلك متوقعا حدوث سيناريو جديد يعد له الآن لحل الأزمة بخروج البرهان وربما خروج حميدتي أيضا، واصفا حديث البرهان بعدم الجلوس مع المتمردين بأنه حديث (محلي)، موجه لجماعات محددة لإحداث طمأنينة.
وقال السليك" "لا يمكن أن يعلن البرهان بتحوله عن الحرب بصورة كاملة في هذا التوقيت، لكن بعد فترة سيعلن ذلك بوضوح"، محذرا من إقبال قائد الجيش السوداني على تشكيل حكومة جديدة، لأن "ذلك سيشجع على تشكيل حكومة موازية في الخرطوم، وربما حكومة منفى لقوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)".
مؤكدا في ختام حديثه أن "تشكيل حكومة جديدة لن يحل الأزمة، ولن تجد القبول الإقليمي ولا الدولي، ما دامت هناك حكومة موجودة وإن لم يكن لها وجود على الأرض"، متسائلا: "ما الجديد الذي ستصنعه الحكومة الجديدة؟".
aXA6IDMuMTM5Ljg3LjExMyA= جزيرة ام اند امز