رؤية حميدتي لحل أزمة السودان.. حجر في المياه الراكدة
مبادرة جديدة لقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"؛ لإنهاء الحرب في السودان عدها مراقبون بمثابة "حجر في المياه الراكدة" كونها تأتي بالتزامن مع أول جولة خارجية محتملة لقائد الجيش عبدالفتاح البرهان منذ اندلاع المعارك.
انفراجة ولكن
ووسط سيناريوهات قاتمة ومخاوف من دخول السودان إلى حرب أهلية في ظل انضمام حركات جديدة للقتال الدائر، وكذلك توسع دائرة المعارك، جاءت مبادرة قوات الدعم السريع ودعوتها لـ"اتفاق لوقف إطلاق نار طويل الأمد مقروناً بمبادئ الحل السياسي الشامل، الذي يعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان" بمثابة انفراجة بالأزمة التي تعيشها البلاد منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.
إلا أن مراقبين اعتبروا أن تأكيد قوات الدعم السريع على ضرورة إبعاد فلول النظام السابق عن أي مفاوضات سيدفع "الكيزان" (الإخوان بالسودان) إلى إشعال المعارك من جديد كونهم المستفيد الأول من استمرارها وسط محاولة لقلب الطاولة والعودة للسلطة.
وفي رؤيته للحل، أكد حميدتي "ضرورة تحديد الأطراف التي سوف تشارك في العملية المفضية إلى تلك التسوية، حتى لا يتم إغراقها بالعناصر المعادية للتغيير والتحول الديمقراطي في السودان، إذ إننا يجب ألا ننسى بأن هنالك ثورة اندلعت ضد النظام القديم، هو الذي أشعل هذه الحرب للحيلولة دون وصول الثورة إلى مراميها وعودته إلى السلطة، مرة أخرى".
ووفق المبادرة التي جاءت في 10 بنود فإن "السودان يجب أن يتأسس بوصفه جمهورية حقيقية، السلطة والنفوذ فيها لكل السودانيين، لا يتمايزون في ذلك إلا بما تسفر عنه الانتخابات العادلة والحرة في ظل نظام ديمقراطي فيدرالي حقيقي، قائمٌ على تقاسم السلطات وتشاركها".
وأكدت أن المشاركة "يجب أن تشمل في الأساس القوى التي تصدت لجبروت قادة نظام البشير الأيديولوجي وأسقطته (...) وألا تشمل المؤتمر الوطني وعناصر النظام القديم، والمجموعات والشخصيات التي ظلت تعمل سراً أو علناً ضد التغيير والديمقراطية خلال السنوات التي أعقبت سقوط نظام البشير".
كما دعت إلى "الإقرار بضرورة تأسيس وبناء جيش سوداني جديد من الجيوش المتعددة الحالية، وذلك بغرض بناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة، وتعكس تنوع السودان في قيادتها وقاعدتها وفقاً للثقل السكاني، وتقوم بمهام حماية الدستور والنظام الديمقراطي، وتحترم المبدأ الثابت في المجتمع الديمقراطي القاضي بخضوع المؤسسة العسكرية للسيطرة والإشراف المدنيين. وفي هذا الصدد، ينبغي الإفادة من التجارب الإقليمية والدولية التي تم فيها بناء جيوش جديدة بهذه المواصفات والمعايير والأسس".
واعتبر محللون أن إنهاء الأزمة الحالية يستلزم تفاهم طرفي الصراع على ضرورة التصدي بشكل حازم لعناصر النظام السابق التي تبث سمومها بين الجانبين لإشعال المعارك، فلا يوجد أكثر من الفوضى مناخا أكثر ملاءمة لفلول إخوان السودان لاستثمار الأزمة الراهنة بصب الزيت على النار والدفع نحو الهاوية.
جولة خارجية للبرهان
وبالتوازي مع بيان حميدتي، وصل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الأحد إلى مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر في شرق البلاد، في خروج نادر له من العاصمة منذ بدء الاشتباكات بين قواته وقوات الدعم السريع قبل أكثر من أربعة أشهر.
وبحسب وسائل إعلام محلية فإن البرهان يعتزم مغادرة السودان لإجراء أول جولة خارجية منذ اندلاع المعارك وعقد محادثات حول الأزمة في دول الجوار بعد زيارة قواعد للجيش وبورتسودان، مقر الحكومة المؤقت.
ورجت المصادر زيادة الضغوط من قبل المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي ودول الجوار على طرفي الصراع في السودان للجلوس إلى طاولة التفاوض وإيقاف القتال وإنهاء المعارك التي وصفت الأمم المتحدة تداعياتها على المنطقة بأنها "كارثية".
ولكون السودان يمثل حلقة هامة في حفظ السلم والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، كانت أزمته محط اهتمام المجتمع الدولي بكافة توجهاته، كون الوضع في البلد الأفريقي ينعكس على دول جواره، ما يجعل من رقعة تتسع شيئاً فشيئاً.
ومنذ اندلاع المعارك في منتصف أبريل/نيسان الماضي، قادت السعودية مبادرة بالتعاون مع الولايات المتحدة لرأب الصدع بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، ونجحت في إتمام أكثر من هدنة عقب استضافة اجتماعات للمتنازعين بمدينة جدة غربي المملكة، إلا أنها تم انتهاكها من الجانبين أكثر من مرة.
كما كان لدول الجوار جهود مضنبة لإنهاء الأزمة وبينها مبادرة المنظمة الحكومية الدولية للتنمية في شرق إفريقيا "إيغاد" التي أعلنت في 12 يونيو/حزيران الماضي تشكيل لجنة رباعية لبحث إنهاء القتال ومعالجة الأزمة في السودان، وكذلك القمة التي استضافتها القاهرة منتصف يوليو/تموز الماضي.
فالحرب التي دخلت شهرها الخامس تسببت في مقتل أكثر من 4 آلاف شخص ونزوح نحو 4 ملايين سوداني، وسط خسائر هائلة في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، في بلد يعاني بالأساس من أزمة اقتصادية كبيرة.
ويحمل استمرار الحرب لفترة أطول تعقيدات كبيرة قد تؤدي إلى انهيار السودان، حيث يرى مراقبون أن "الحروب حاليا لا تحسم سريعا، كما حدث في عدة دول، آخرها الحرب الروسية الأوكرانية" التي ما زالت مستمرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022.
aXA6IDMuMTQxLjM1LjI3IA== جزيرة ام اند امز