واسيني الأعرج: "قانون القراءة" من أهم القوانين في العالم
الكاتب الجزائري واسيني الأعرج أحد أهمّ الأصوات الروائية العربية يخصّ "بوابة العين الإخبارية" بحديث عن السياسة والثقافة والأدب
واسيني الأعرج الذي يعتبر أحد أهمّ الأصوات الروائية في الوطن العربي، بل وأكثرها تنوعاً، خصّ "بوابة العين الإخبارية" بحديث عن الكثير من الأمور المتصلة بالرواية العربية التي تحدث عنها بنوع من التفاؤل، خاصة بعد أن خرجت من ضيق الرؤية إلى اتساعها، لتفرض نفسها على الساحة الروائية العالمية الروائية، وباح واسيني عن شجونه وأحزانه الخاصة بعدم الاهتمام بالمثقفين فى المنطقة العربية، خاصة عقب ثورات الربيع العربي التي تربعت فيها الأحداث السياسية الساخنة على العرش، ومحطات كثيرة نتوقف فيها معه عبر السطور المقبلة.. فإلى نص الحوار:
* بعض النقاد رددوا بأن عالم الرواية إلى "زوال"، ولكنك كثيرًا ما عارضت تلك المقولة؟
- قاطعني بلا تردد قائلاً: الرواية جنس الحياة. هكذا يحلو لي تعريفها، بمعنى أن الشعر محكوم عليه بالموت أو أن يكون ضمن أقليات الأجناس الأدبية؛ لأنّ طبيعته اللغوية لا تسمح له بالذهاب بعيداً، إنه يعتمد لغة استعاريّة، غير أصلية، غير حقيقية، غير طبيعيّة، لغة يصنعها الشاعر وهي لغة بعيدة عن لغة التداول اليومي، تعتمد على الصورة والمجاز والاستعارة، الشيء الذي يجعل منها لغة أقليّة. الرواية آفاقها رحبة؛ لأنّ الجنس الروائي هو الجنس الوحيد الذي يستوعب الأجناس الأخرى مثل المسرح والأسطورة، والتاريخ والشعر والرسم والنحت والموسيقى، وهنا تقف الرواية شبيهة بالإنسان القادر على التجدّد والتأقلم، وهذا ما يجعله يعمّر أكثر من غيره، لهذا لا أرى أبداً أن الرواية تسير نحو حتفها على الأقل في المنظور القريب، ستبقى الرواية "ملحمة"، لكنها تتجاوز ذلك التعريف القديم: "ملحمة البرجوازية" لتصبح "ملحمة العصر الحديث".
* ولكن هل ترى الرواية حالياً تتجاوب مع الأسئلة المطروحة حالياً على الساحة العربية؟
- من يجيب عن الأسئلة المعقدة وحتى تلك التي تعاني منها المجتمعات العربية هو المحلل والمفكر الذي يُخضع الظواهر لمجهر الفحص العلمي بقواعده المختلفة، هذا من حيث المبدأ، لكن للفنون المختلفة إسهاماتها في فهم الظواهر التي نعيشها اليوم، وهنا يجيء وقت الحديث عن الانهيارات التي يعيشها المشهد العربي، نحن لم نعد نرى المستقبل ولم نعد نخافه أو نخاف عليه، وهذا ما أفرز مجموعة من الشباب اليائسين الذين يلتحقون بالجماعات الإرهابية بقناعة أنهم خسروا الدنيا تماماً وخسروا كل شيء، ولم يبق أمامهم إلا ضمان حرية في الآخرة. صحيح أن الرواية "سوداوية"، لكن فيها قراءة موضوعية للواقع، وأحياناً تصل إلى مرحلة أن تكون مضادة لتفاؤلك الداخلي.
* هذا ما يدفعني للسؤال حول دور "الأدب" في تلك الظروف الضاغطة التي نمر بها؟
- علينا الاعتراف بأن تلك المرحلة السيئة التي نعيشها تحتاج نصوصاً تؤلم بواقعيتها أو بمجاوزتها الواقع، تضعنا وجها لوجه أمام ما لا نريد أن نراه من أنفسنا، ولكن أيضاً يجب أن نقول، إن المثقف العربي لا يلقى اهتماماً واحتضاناً من هذا العالم الذي أصبح منشغلاً بالحروب والدمار، علينا أن نهتم بالثقافة والمبدع، وهذا ما يجعلني أسعد بإمارة عاصمة الثقافة الإسلامية التي تحتضن معرض الكتاب الدولي، والذي أصبح مصنفاً بين دول العالم، والحقيقة أنني كثير التردد على دولة الإمارات التي أقرت قانوناً في الأيام السابقة في رأيي من أهم القوانين في العالم، وهو "قانون القراءة" الذي يقر بأهمية المستقبل، ويقدر المثقف والمبدع، وأعود هنا للإجابة على سؤالك بدور الإبداع في الظروف التاريخية التي نمر بها، أقول إنه دور حيوي ولكن لابد أن تكون العلاقة تبادلية ما بين المثقف ودولته.
* دون كيشوت، هاملت، زوربا.. شخصيات ورقيّة صاغها المبدع، لكنّها تحوّلت في الذاكرة الثقافية إلى شخصيات حيّة مثلها مثل الشخصيات التاريخية.. لماذا لم تخلق الرواية العربية مثل هذه الشخصيات الملحميّة؟
- هذا إذا اعتبرنا أن الرواية بدأت مع "زينب"، ولكني شخصياً أرى أن "حي بن يقظان" شخصيّة استثنائية مثله مثل "أبو الفتح الإسكندري" بطل المقامات، و"ابن القارح" في رسالة الغفران، لكن للأسف، القطيعة التي حدثت للسرد العربي أحدثت شرخاً ولم تسمح نهائياً بتواصل هذه الأنماط من الشخصيات.
من ناحية أخرى، بعض شخصيات الطيّب صالح وشخصيات محفوظ كان يمكن لها أن تكون مثل تلك التي تحدّثتِ عنها لكن ثقافتنا أو نقدنا لم يعمل على إبراز هذه النصوص لتصبح نموذجية، وتصبح بعد ذلك شخصياتها شخصيات نموذجية، ومدام بوفاري وكارمن وزوربا، الأدب العربي لم يخلق، فعلياً، إلا شخصيّة نموذجية يتيمة هي شخصيّة "شهرزاد"، فعندما نتحدّث اليوم عن شهرزاد فكأننا نتحدّث عن شخصية حقيقية، في حين أنها ورقية أما الأدب الحديث والمعاصر فلم يخلق شخصيّة واحدة بتلك الملامح الملحميّة.
* من يقرأ رواياتك يتابع حضوراً متكرراً لاسم مريم؟
- قاطعني مبتسماً بالقول: إنها رمزيّة مريم، قصة مريم العذراء التي ظلمت، لقد وظّفتها توظيفاً إنسانياً، و"مريم" التي ظلمها الإنسان ولم يظلمها الله لأن الله يعلم، مريم بالنسبة لي هي المرأة التي اتعاطف معها، خاصة وأنني ولدت وعشت في بيت كله نساء، كان لي أخ وحيد، لكنّني كبرت مع الأم والجدة و3 أخوات وبنات خالتي الثلاث، بقيت مع أمّي بعد أن استشهد والدي في الثورة التحريريّة، لقد رأيت حجم المقاومة التي بذلتها أمّي ومعاناة أخواتي، فانتهيت إلى أنّ المرأة المسكينة إنسانة حقيقية تجهد نفسها دائما لكي تقنع الرجل الغبيّ ببراءتها. إذن قد يكون السبب ذاتياً، وقد يكون رمزياً كذلك، والسبب الآخر هو البحث عن نموذج معبّر وهو الذي سمّيته الشخصية التركيبية، المرأة دفئي الذي لن أسلم فيه أبداً وفاتحتي لاختراق عالم متصلب.
* الآن فقط فسرت السبب وراء أن معظم مترجماتك من النساء؟
- بسرعة قطع حديثي قائلاً: لم أخترهن وعندما اخترت مترجماً اخترت رجلاً. وتأكد لي فيما بعد أن مغامرة الترجمة مع امرأة مليئة بالأسرار الجميلة التي لا يراها القارئ والتي هي مبطنة في شكل انفعالات وأسئلة وحياة وجانبية داخل النص الروائي، سنطالب يوماً النقد السطحي بأن يهتم بعمق النصوص الأدبية من أشياء جميلة عليه أن يسعى لإظهارها؛ لأنه لولاها لما كانت الترجمة والكتابة على تلك الصورة.
aXA6IDMuMTM1LjE4OS4yNSA=
جزيرة ام اند امز