فاغنر تهدد أوروبا؟.. حصان طروادة وجيب العبور إلى "كعب أخيل"
تقترب قوات مجموعة فاغنر الروسية من حدود الاتحاد الأوروبي، وتتقرب معها "كرة التهديد الهجين"، ما يثير قلقا في أروقة التكتل خاصة بولندا.
إذ حذر رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي، السبت الماضي، من أن "مجموعة من مرتزقة فاغنر" في بيلاروسيا، اقتربت من الحدود البولندية وقد تشن "هجوماً هجيناً" داخل الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي من خلال التظاهر بأنهم مهاجرون غير شرعيين.
وفي حديثه في مؤتمر صحفي في جنوب بولندا قال موراويكي إن أكثر من 100 من المرتزقة تحركوا بالقرب من مدينة غرودنو، بالقرب من Suwałki Gap، وهي امتداد استراتيجي ضيق للأراضي البولندية والليتوانية، والتي تفصل بيلاروسيا عن جيب كالينينغراد الروسي.
وقال مورافيكي، حسب الإذاعة العامة البولندية: "من المحتمل أن يتنكروا في هيئة حرس الحدود البيلاروسيين وسيساعدون المهاجرين غير الشرعيين على دخول الأراضي البولندية، وزعزعة استقرار بولندا".
وأضاف أن أعضاء فاغنر سيحاولون على الأرجح "التسلل إلى بولندا متظاهرين بأنهم مهاجرون غير شرعيين"، مشيراً إلى أن الوضع أصبح "أكثر خطورة".
لكن هذا السيناريو ليس وليد اليوم، ففي عام 2021 اتهمت وارسو وبروكسل الحكومة البيلاروسية وداعميها الروس، بالسعي إلى زرع عدم الاستقرار على حافة الاتحاد الأوروبي من خلال نقل المهاجرين إلى الحدود البولندية.
وقال مورافيكي إن التطورات الأخيرة "من شبه المؤكد أنها خطوة نحو هجوم مختلط آخر على الأراضي البولندية"، من مهاجرين غير شرعيين ومقاتلي فاغنر متنكرين.
وانتقل عدد غير معروف من جنود فاغنر إلى بيلاروسيا في الأسابيع الأخيرة، قادمين من روسيا بموجب اتفاق لإنهاء تمرد المجموعة الذي استمر نحو 24 ساعة في يونيو/حزيران الماضي، ضد موسكو.
وقالت خدمة حرس الحدود الأوكرانية، في وقت سابق من هذا الشهر، إنها تقوم بتقييم عدد المرتزقة الذين عبروا إلى بيلاروسيا.
الأكثر من ذلك، اعتبر الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا، قبل أسابيع، أنّه سيتعين على حلف شمال الأطلسي "تعزيز" جناحه الشرقي، بعد استضافة بيلاروسيا مجموعة فاغنر الروسية المسلّحة.
التهديد
في الواقع، عدد الجيش البولندي منفردا بدون الحلفاء في حلف شمال الأطلسي "ناتو" يفوق بأرقام ضخمة مجموعة فاغنر العسكرية، لذلك يستبعد مراقبون احتمالية زحفها إلى العاصمة البولندية أو أي قاعدة عسكرية رئيسية، على غرار ما فعلت المجموعة في تمردها ضد موسكو.
لكن الفكرة الأكثر إثارة للقلق هي أنه يمكن للمجموعة مهاجمة جيب ضيق من الأراضي البولندية القريبة من بيلاروسيا، يُعرف باسم Suwalki Gap.
بيد أن أي هجوم صغير على هذه المنطقة الواقعة بين بولندا وليتوانيا وكالينينغراد يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، وربما يشعل شرارة الحرب العالمية الثالثة، وفق المراقبين.
ومنطقة Suwalki Gap هي شريط من الأراضي يبلغ عرضه 40 ميلاً على طول الحدود البولندية الليتوانية، تم تسميته باسم أكبر مدينة في المنطقة.
وحدث قتال بين بولندا وليتوانيا من أجل السيطرة على هذه المنطقة من قبل، لكنها اليوم جزء من بولندا، وتعتبر الشريط الحدودي البري الوحيد بين البر الرئيسي لأوروبا ودول البلطيق.
وعلى الرغم من أهميته الاستراتيجية، إلا أن المنطقة نائية، بها خط سكة حديد واحد وطريقان سريعان رئيسيان، أحدهما ذو حارة واحدة، وفق صحيفة ديلي ميل البريطانية.
ويتكون الشريط إلى حد كبير من تلال متدحرجة تغطيها الأراضي الزراعية والأراضي الحرجية المتناثرة وعدد قليل من القرى الصغيرة، لذلك من الصعب الوصول إلى المنطقة لأي جيش غير متمركز هناك بالفعل، كما يصعب الدفاع عنها بنفس القدر.
لماذا يمكن أن تهاجمها فاغنر؟
لطالما كان يُنظر إلى دول البلطيق على أنها كعب أخيل لحلف الناتو، أي المنطقة التي سيكون من السهل على روسيا مهاجمتها، والأكثر صعوبة على الحلف في الدفاع عنها.
وتصاعدت المخاوف من غزو البلطيق منذ بدء حرب أوكرانيا، وإذا حاول الروس ذلك فمن المحتمل أن يكون السيطرة على Suwalki Gap هو الخطوة الأولى.
وعلى الرغم من أن الآلاف من قوات "الناتو"، بما في ذلك جنود المملكة المتحدة، منتشرون حالياً في دول البلطيق إلا أنها قوة أولية يعهد عليها بالدفاع وسد الثغرات حتى وصول جيش الحلف الرئيسي.
وبالتالي، فإن نجاح روسيا في السيطرة على دول البلطيق يعتمد على ضمان عدم وصول جيش الناتو الرئيسي أبداً إلى المنطقة، أو أن يأتي متأخراً، وفي هذا الإطار فإن السيطرة على Suwalki Gap يجعل إرسال تعزيزات من بولندا وألمانيا، حيث توجد أكبر قواعد الناتو، إلى دول البلطيق أكثر صعوبة.
هل تمثل فاغنر تهديدا حقيقيا؟
في حين أن احتمالات هجوم فاغنر على المنطقة منخفضة، إلا أن التهديدات الأخرى لا تزال مستمرة ويحذر منها الخبراء لسنوات.
وتعتقد أوكرانيا أن حوالي 5000 مقاتل من فاغنر يتمركزون حاليًا في بيلاروسيا، بعد أن جردتهم روسيا إلى حد كبير من أسلحتهم الثقيلة والدبابات.
لذلك، فإن عدد القوات البولندية والليتوانية إضافة إلى 150 ألفا من قوات الناتو المدججة بالدبابات والمقاتلات والسفن، وتنتشر في المنطقة، تجعل من المستحيل على فاغنر محاولة السيطرة على الجيب.
الهجوم الشامل مستبعد، وفق الخبراء، لكن عمليات التوغل المحدودة لمرتزقة غير مستبعدة، إذ حذر الجنرال السابق والخبير بين هودجز، القائد السابق للناتو في أوروبا، من أن روسيا يمكن أن تنشر "مرتزقة مسلحين يمكن إنكار أي صلة بهم" مثل فاغنر، لتنفيذ "عمليات توغل محدودة أو مؤقتة".
وتابع "إذا بدأ مقاتلون من فاغنر في المناوشات في المنطقة، فإن ذلك سيجعل استخدام المنطقة الحدودية من قبل الناتو أكثر صعوبة".
ومضى قائلا "يمكن أن يكون للأضرار التي تلحق بالطرق السريعة أو خط السكك الحديدية نفس تأثير إغلاق الحدود تماماً، حتى لو لم تحتل فاغنر أي منطقة".
ووفق ديلي ميل، في حال حدوث مناوشات من المحتمل أن تلجأ بولندا إلى المادة 5 وتطالب جميع حلفاء "الناتو" بالدفاع المشترك، وهو ما ستدعمه دول أوروبا الشرقية الأخرى بشكل شبه مؤكد.
لكن الحلفاء الغربيين، خاصة فرنسا وألمانيا، قد يكونون مترددين في ضوء أن أي قوة من فاغنر في المنطقة من المحتمل أن تكون صغيرة للغاية مقارنة بالقوات البولندية.
هذا الخلاف، وفق الصحيفة، يمكن أن يهدد بتقويض وحدة الناتو، بعد توترات بالفعل بين الشرق والغرب حول أوكرانيا، وهو ما ستستفيد منه روسيا بكل تأكيد.
aXA6IDE4LjExNi40MC4xNTEg جزيرة ام اند امز