بانتظار إشارة الغزو.. أردوغان: مصرون على تدمير شرق الفرات
منذ مطلع يوليو الجاري أرسلت أنقرة أكثر من 50 دبابة وبطاريات صواريخ وكتائب عسكرية إلى محيط محافظة شانلي أورفا على الحدود مع سوريا
"مصممون على تدمير الممر الإرهابي شرق الفرات في سوريا".. عبارة قالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولسان حاله يجزم: "مصممون على تدمير شرق فرات السورية".
بدت كلمته مفعمة بذلك الكم الهائل من حقد دفين، وإصرار غريب على إشعال المنطقة، متحديا الولايات المتحدة الأمريكية بإعلان إصراره على المضي قدما في العملية العسكرية مهما كانت نتيجة المحادثات مع واشنطن حول إنشاء منطقة آمنة.
وكالة الأناضول التركية الرسمية نقلت عن أردوغان قوله خلال اجتماع في أنقرة، مع رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية بالولايات: "من يمارسون البلطجة بالاعتماد على قوات أجنبية في المنطقة، إما أن يدفنوا تحت التراب أو يقبلوا بالذل".
واعتبر أن "الهجوم على موظف القنصلية التركية في مدينة أربيل العراقية، يؤيد صوابية عملية "المخلب" التي أطلقتها تركيا شمالي العراق ضد الإرهاب"، حسبما ذكرت وكالة الأناضول الرسمية.
أردوغان زعم أن تركيا ستقطع ارتباط الإرهابيين شرقي الفرات السوري بشمالي العراق، عبر عمليتي المخلب 1 والمخلب 2، لافتا إلى أنه "لا يمكن لأي عقوبة أن تثني تركيا عن أولوية أمنها".
تصريحات بدت بالفعل وكأنها إشارة لبدء اجتياح وشيك، وتأتي عقب تصريحات متتالية لمسؤولين أتراك بغزو مناطق إضافية في سوريا، لكن هل يجازف أردوغان الشهير بمعاركه الكلامية فقط، بشنّ حرب على الأكراد السوريين، حلفاء واشنطن؟.
هل يمكن أن يرتكب حماقة مماثلة سترفع لا محالة منسوب التوتر مع الولايات المتحدة التي أعلنت تعليقها مشاركة تركيا في برنامج مقاتلات إف 35 على خلفية شرائه منظومة صواريخ إس ـ 400 الروسية؟.
بانتظار إشارة الغزو
تلويح أردوغان بالعملية العسكرية شرق الفرات لا يعتبر الأول من نوعه، حيث سبقتها تصريحات مماثلة لوزير خارجيته مولو تشاووس أوغلو الذي قال الخميس: "إذا لم تتم إقامة المنطقة الآمنة بشمال سورية، فستبدأ على الفور عملية عسكرية بشرق الفرات".
تهديدات جاءت قبل لقاء جمع، الخميس، وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بالمبعوث الأمريكي الخاص لشؤون سوريا، جيمس جيفري، بمقر وزارة الدفاع بالعاصمة أنقرة، وتوضح بالكاشف أن هذا الموضوع بات من أولويات السياسة الخارجية التركية في الفترة المقبلة، علاوة على تجنب العقوبات الأمريكية القاسية عقب الصفقة مع روسيا.
وزارة الدفاع التركية أعلنت، من جانبها، باليوم نفسه، أن أكار اجتمع مع مسؤولين عسكريين لبحث عملية محتملة شمال سوريا، وذلك بعد إعلان أنقرة نفاد صبرها من سلسلة المحادثات المتعلقة بإقامة المنطقة الآمنة، والتي لم تسفر على ما يبدو عن نتائج مرضية لحكومة أردوغان.
حشد عسكري
منذ مطلع يوليو/تموز الجاري، أرسلت أنقرة، وفق معطيات رسمية وتقارير إعلامية، أكثر من 50 دبابة وبطاريات صواريخ وكتائب عسكرية إلى محيط محافظة شانلي أورفا على الحدود مع سوريا، قبل أن تعزز ذلك بإرسال وحدات خاصة من الكوماندوز مع صواريخ محمولة ومركبات مدرعة ومعدات لاعتراض الإشارات اللاسلكية إلى منطقة حسا في محافظة هاتاي، وذلك تحسبا لأي محاولة لرد محتمل يستهدف العمق التركي خلال العملية العسكرية.
أنقرة ألغت أيضا إجازات الجنود في الجبهة، وصعدت عسكريا ضد مدينة كوباني التي يسيطر عليها الأكراد، لتكتمل بذلك تجهيزاتها في مسرح العمليات، وترابض القوات حاليا بانتظار إشارة البدء من أكار، إضافة إلى كل من رئيس الأركان جولر ياشار وباقي قيادات الأركان البرية والبحرية والجوية.
عمليات وشيكة تروج لذات الطموح الاستعماري التوسعي لأردوغان سعيا نحو ابتلاع باقي أراضي الشمال السوري، والحجة هذه المرة هي ذلك الاجتماع السري (عند انعقاده فقط) الذي عقدته الأمم المتحدة، وناقشت خلاله مع ممثلين لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية، مسألة استخدامهم الأطفال في الحرب.
اجتماع أثار عقب الإعلان عنه من قبل الأمم المتحدة جنون أنقرة التي وجدت فيه حجة أخرى للتدخل.
أنقرة والمنطقة الآمنة
معسكر أردوغان نفسه يعاني من انقسام حول الموقف من واشنطن فيما يتعلق بملف المنطقة الآمنة، وما إن كان ينبغي الوثوق بإدارة الرئيس الأمريكي بهذا الخصوص أم لا، في وقت تخشى فيه أنقرة أن تجد نفسها مجبرة على الاعتراف بشرعية تواجد قوات الاتحاد الديمقراطي في باقي الأراضي السورية، في حال الموافقة على مقترح إنشاء منطقة آمنة في مثلث كوباني- تل أبيض- عين عيسى الموازي لمنبج.
لكن الإشكال بالنسبة لأنقرة هو أنها عاجزة تماما عن التصرف بشكل أحادي، وإنما هي مضطرة للتنسيق مع واشنطن خصوصا أن طائراتها لن يكون بإمكانها الحصول على تصريح فوق منطقة المعارك إلا بتصريح أمريكي، كما أن أردوغان وحكومته يدركون أيضا أهمية الغطاء الجوي في مثل هذه المعارك، وقدرته على حسمها.
ومن أبرز العقبات التي تقف بوجه إنشاء المنطقة الآمنة إصرار أنقرة على امتداد هذه المنطقة بعمق 40 كيلومترا، من جرابلس حتى أكجاكالى، فيما يصر الأكراد على المقترح الأمريكي بأن تكون بعمق 10 كيلومترات فقط، وتصبح بموجبها شمال الشمال السوري في يد تركيا، بينما الجنوب يسيطر عليه الأكراد ويفصل بينهما في تلك الحالة نهر حجور.
أنقرة تريد أيضا السيطرة على مدن مثل كوباني وتل أبيض لتحتلها على غرار عفرين وتطرد منها الأكراد، بزعم أنها مناطق ذات أغلبيات عربية، وهو ما يقابه رفض كلي من قبل الأكراد بالانسحاب من إدارة تلك المناطق حتى في حال تفعيل اتفاق المنطقة العازلة.
وترغب تركيا أيضا في تأمين المنطقة الآمنة وحدها، ما يعني انسحاب القوات الأمريكية من المجال الجوي السوري، وهذا أكثر ما يخشاه الأكراد الذين يعرفون أن ذلك معناه استغلال تركيا للأمر وتوجيه ضربات عسكرية قد تستهدف حتى المدنيين، بحجة مطاردة عناصر العمال الكردستاني.
aXA6IDUyLjE0LjExMC4xNzEg جزيرة ام اند امز