ترامب يهدد الاستقرار المالي... «الثقة» في وول ستريت أولى الضحايا

في منتصف فبراير/شباط، ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاباً في مؤتمر بميامي حضره كبار المستثمرين ورجال الأعمال في وول ستريت، الذين يديرون تريليونات الدولارات، مثل روبرت سميث، ونير بار ديا، وجوش هاريس.
وقال ترامب في خطابه: "إذا أردت بناء مستقبل أفضل، فإن أمريكا، تحت قيادة دونالد ترامب، هي أفضل مكان لذلك". بدا أن الأسواق المالية تؤكد كلامه، إذ شعر قادة المال بأن عصر القيود التنظيمية انتهى، وأن الأرباح ستتضاعف.
ولكن بعد أقل من 8 أسابيع، تغير كل شيء، بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشيال تايمز. ففي 2 أبريل/نيسان، أشعل ترامب حربًا تجارية شاملة، مما أدى إلى اضطرابات حادة في الأسواق وارتفاع مخاوف التضخم والانكماش الاقتصادي.
وحتى قبل تلك الخطوة، كانت وول ستريت تعاني، فصفقات الاستحواذ تراجعت لأدنى مستوى في عقد، وشركات كبرى مثل دلتا وولمارت خفّضت توقعاتها المالية. وكثيرون باتوا يعتقدون أن التعريفات الجمركية ستبطئ النمو الأمريكي بشكل حاد.
وقال أحد التنفيذيين: "لم نأخذه على محمل الجد. ظننا أن أحد مستشاريه الاقتصاديين سيقنعه بأن التعريفات فكرة سيئة". لكن ما حدث هو عكس ذلك.
علاقة معقدة
ورغم أن ترامب يملك علاقات طويلة بوول ستريت منذ أيام عمله في العقارات، إلا أن علاقته بالمؤسسات المالية كانت دائمًا معقدة. كان يشعر بأن النخبة تهمّشه، وخاصة عندما احتاج دعمهم في الثمانينات.
وفي ولايته الأولى، عيّن ترامب شخصيات من بنك غولدمان ساكس في مناصب رئيسية، مثل ستيفن منوشن وغاري كوهن، وأنشأ "منتدى السياسات الاستراتيجية" الذي ضم كبار قادة وول ستريت. لكن العلاقة توترت، وخاصة بعد اقتحام الكابيتول في يناير/كانون الثاني 2021، عندما وصفه ستيفن شوارزمان، أحد أقرب حلفائه، بأنه "مروع"، وأعلن بعدها أنه يدعم وجوهًا جديدة في الحزب الجمهوري.
ولكن بعد أن بدأت فرص ترامب في الفوز بانتخابات 2024 بالتصاعد، عاد العديد من هؤلاء الداعمين إلى جانبه. وأعلن شوارزمان دعمه له في مايو/أيار الماضي، وجيمي ديمون من JPMorgan دافع عن التعريفات الجديدة، معتبرًا إياها إجراءً لأمن قومي.
ومع ذلك، يشعر الكثير من التنفيذيين أن أصواتهم لم تعد مسموعة، خاصة وأن ترامب أحاط نفسه بدائرة ضيقة من الموالين، أبرزهم سكوت بيسنت، وزير الخزانة الحالي. هذا الصمت الإجباري جعل بعضهم يخشى حتى التعبير عن رأيه، خوفًا من انتقام سياسي أو ملاحقة قانونية.
ويقول أنطوني سكاراموتشي، المسؤول السابق في البيت الأبيض: "المدراء التنفيذيون مرعوبون... حتى مكاتب المحاماة لم تعد قادرة على حمايتهم".
أزمة السندات
وعندما بدأت الأسواق في الانهيار في أبريل/نيسان الجاري، حاول ترامب التقليل من شأن الأزمة. لكنه في النهاية أقر بأن سوق السندات "بدأ يتوتر"، ما دفعه لتجميد مؤقت للتعريفات. وأحد القلائل الذين تمكنوا من التأثير عليه كان جيمي ديمون، لكن ليس عبر لقاء خاص، بل من خلال ظهوره على قناة "فوكس بيزنس".
وكشفت أزمة السندات هشاشة الأسواق الأمريكية، فالمستثمرين الأجانب بدأوا في سحب أموالهم، والتداولات المحفوفة بالمخاطر تراجعت. حتى الشركات الكبرى لم تعد قادرة على الاقتراض.
وبعد أسبوع من الفوضى، أعلن ترامب تجميدًا جزئيًا للتعريفات. أحد المقربين منه قال: "هو لا يمانع في أن تتلقى وول ستريت ضربة، لكنه لا يريد انهيارًا شاملًا".
ولكن رغم ذلك، فإن مصير ترامب السياسي والاقتصادي لا يزال مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالأسواق المالية، حتى وإن بدت علاقته معها متوترة. فالقطاع الخاص، وخاصة شركات الاستثمار المدعومة بالديون، يعيش حالة هشاشة خطيرة. التضخم يتصاعد، والافتراضات حول الاستقرار لم تعد صالحة.
وكتب ترامب على منصته الاجتماعية في 5 أبريل/نيسان يقول إنه مستعد لتحمل الألم الاقتصادي: "هذه ثورة اقتصادية وسننتصر". لكن الأسواق لها رأي آخر: العوائد على السندات مرتفعة، الدولار يتراجع، والثقة تتآكل.
وقال أستاذ الاقتصاد جوزيف فودي: "ما حدث كان ضربة قوية لثقة وول ستريت... أصبحوا يدركون الآن أن كل شيء غير مؤكد وغير قابل للتوقع".