حتى تنعم المنطقة بالسلام يجب أن يتم إنهاء وهم العظمة أولا ثم الدخول في مفاوضات حقيقية
هل ستقوم الحرب؟ سؤال يراود أهل الخليج العربي منذ أكثر من أسبوعين، مع وجود حشد أمريكي وإرسال حاملة طائرات وعدد من السفن الحربية وقاذفات القنابل الاستراتيجية وإعادة انتشار القوات بالتزامن مع الحظر النفطي، والعقوبات الاقتصادية على طهران، التي استبقت ذلك باستهداف أنابيب نفط في المملكة العربية السعودية، وتخريب سفن قبالة إمارة الفجيرة، وقصف السفارة الأمريكية ببغداد بصاروخ كاتيوشا، وإطلاق الحوثيين صواريخ باليستية على مدن سعودية.
حتى تنعم المنطقة بالسلام يجب أن يتم إنهاء وهم العظمة أولاً ثم الدخول في مفاوضات حقيقية بعيداً عن أسلوب التفاوض الاستعماري القائم على كسب الوقت كنوع من المخدر السياسي حتى لا نعود إلى المربع الأول مرة أخرى
ويظل السؤال يتردد مع عدم وقوع أي اشتباك خلال الأيام الماضية رغم ارتفاع حدة التوتر إلى أقصاه، في ظل تأكيد خليجي بعدم الرغبة في الحرب التي إن حدثت ستؤثر بلا شك على الجميع، لكن حتى نكون أكثر صراحة في مواجهة الواقع: الحرب قادمة إن استمرت إيران على سلوكها، ورغم ذهاب البعض إلى أن التحركات العسكرية ما هي إلا استعراض للقوة يتفق الجميع على أن الهدف الرئيسي من هذا الضغط يكمن في إعادة صياغة علاقة المجتمع الدولي بإيران، عن طريق تحويلها إلى دولة طبيعية باستخدام المفاوضات.
لكن السعي في هذه المرة بأن تكون المفاوضات مختلفة، فالمخاوف في ازدياد من طموح إيران العسكري، ومن سيطرة المليشيات الموالية لها على مناطق مختلفة في سوريا واليمن والعراق ولبنان، ما يدفع باتجاه التضييق عليها للعودة إلى حدودها الجغرافية والتعامل بشكل طبيعي مع محيطها ومع المجتمع الدولي،
إن أكبر محرك للخلاف مع طهران خلال أربعين سنة ليس طائفياً أو عرقياً، بل هو خلاف مرتبط بعقدة العظمة، وهي عقدة تتقمص فيها شخصية الإمبراطورية في التعامل مع محيطها، متناسية الحجم الطبيعي لها.
وتتغذى هذه العقدة يوماً بعد يوم عن طريق التغلغل في الدول وزيادة ميزانيات التسلح والخطابات الثورية، بحجة تأمين المستقبل في مواجهة الأخطار المحدقة، وشيئاً فشيئاً صدق الإيرانيون عقدتهم وأصبحوا يتعاملون وفق واقعهم الجديد حتى صدموا بالقرارات الأمريكية.
ختاماً يؤكد أطباء علم النفس أن مريض العظمة لا يمكن أن يشفى إلا بوضعه في حالة مضادة وتبيين حجمه الطبيعي، وإزالة أوهامه، وقد يصلح ذلك في الحالة السياسية أيضاً، وحتى تنعم المنطقة بالسلام يجب أن يتم إنهاء وهم العظمة أولاً ثم الدخول في مفاوضات حقيقية بعيداً عن أسلوب التفاوض الاستعماري القائم على كسب الوقت كنوع من المخدر السياسي حتى لا نعود إلى المربع الأول مرة أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة