دول المقاطعة ليست آبهة بحكومة الدوحة وسماسرتها، وما يحدث في المطبخ القطري الذي تفوح منه رائحة المؤامرات والدسائس.
اضطررت أن أقوم ببحث يدقق في عشرات المقالات والتحليلات العالمية التي تتحدث عن الحالة التي تصيب الدائرة الضيقة حول تنظيم الحمدين وحكومة تميم الهشة، وما يجري فيهما من حالات الصراع والتوتر القائم بين مراكز النفوذ هناك، وتبين لي أن قطر اليوم قد بلغت حافة الهذيان من جرّاء الخطط الارتجالية التي يدلي بها المستشارون وغيرهم ممن يحيطون بثالوث الخطر: تميم والحمدين.
ومع التأكيدات التي توصلت إليها بتنامي النزاع بين مجموعة تميم ومجموعة تنظيم الحمدين من صراع دموي ليس له نهاية، ويشي بسقوط كليهما في متاهة التخبط التي تشهدها الدوحة، فقد بات واضحاً لمن يدورون في تلك المتاهة، أن هذا الصراع لن يتمخض عن شيء سوى انتصار الرأي الهجين الذي يدعو إلى زيادة تمكين إيران وتركيا من حماية قطر من التهديدات (المزعومة) التي ترتجف منها.
ما لم يفهمه سماسرة الحرب في الدوحة الذين ينفخون في أخشاب لم تشتعل بعد ولم تصبح ناراً، علّ عمولاتهم وحساباتهم البنكية في سويسرا وأمريكا تتضخم، أن الإمارات والسعودية والبحرين ومصر يرون قطر صغيرة جداً جداً جداً، وأن دول المقاطعة ليست آبهة بحكومة الدوحة وسماسرتها
تقتنع النخبة في حكومة الدوحة، كالخارجية القطرية مثلاً، أن قطر مهددة بحرب من دول مكافحة الإرهاب: السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وتتمدد هذه القناعة لتصبح مادة دسمة لتصريحات وزير الخارجية القطري، ومع أن الرأي العلمي والواقعي يأتي بحقائق أن ذلك مستحيل، وأنه لا يدور بخلد دول المكافحة أبداً، تستمر الخارجية القطرية، ودوائر أخرى مثلها، في الاستناد إلى هذا الوهم، والترويج له في المنصات العالمية.
نعلم أنه قد جرى في المطبخ الاستخباري القطري تصنيع وتركيب فكرة أن دول مكافحة الإرهاب تنوي مهاجمة قطر، فجلس الطبّاخون المستشارون لتضخيم الفكرة ومحاولة الاستفادة منها إلى أعلى الدرجات، بالطبع أصبحت قطر فجأة تحتاج إلى التسليح، ودخل سماسرة الحرب، وهم أنفسهم الطبّاخون، للاستفادة من الصفقات التي سعت إليها قطر مع أمريكا والصين وروسيا وغيرها، وحصل كل العملاء على عمولاتهم.
ومع أن دول مكافحة الإرهاب قد نفت تماماً، في أكثر من مئة موقف، أية نية لمهاجمة قطر أو اجتياحها عسكرياً، فإن سماسرة الحرب ومن لف لفّهم في قطر، ما زالوا يحلبون تلك «البقرة» التي تنتج لهم الحليب يومياً، وتنطلي الحيلة على الجاهل الذي يومئ برأسه فقط مشجعاً وموافقاً على كل قرار يتخذه الطبّاخون الطماعون الشرهون.
من السهل على دبلوماسي مخضرم من طراز معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن يكشف ما يجري في تلك المساحة التي تحاول قطر تغطيتها بطريقة مضحكة، فيقول الدكتور قرقاش: «اللعب على التناقضات وإدارتها والذي ميّز سياسة قطر أصبح أكثر صعوبة وتكلفة، فالتوازن بين دعم الإخوان وغيرهم من المتطرفين واستضافة قاعدة العديد، والتنازل عن السيادة لإيران وتركيا أصبح أكثر صعوبة».
ما لم يفهمه سماسرة الحرب في الدوحة الذين ينفخون في أخشاب لم تشتعل بعد ولم تصبح ناراً، علّ عمولاتهم وحساباتهم البنكية في سويسرا وأمريكا تتضخم، أن الإمارات والسعودية والبحرين ومصر يرون قطر صغيرة جداً جداً جداً، وأن دول المقاطعة ليست آبهة بحكومة الدوحة وسماسرتها، وما يحدث في المطبخ القطري الذي تفوح منه رائحة المؤامرات والدسائس.
واقع الحال يتمثل بما صرح به وزير خارجية السعودية معالي عادل الجبير أكثر من مرة، وأكده المستشار سعود القحطاني على صفحته على «تويتر»، حين غرد أمس قائلاً: «سبق أن قال سمو ولي العهد: مشكلة قطر صغيرة جداً جداً جداً. مشكلة قطر لا تشغل بال السياسة السعودية ولا باقي دول المقاطعة، بينما هم لا همّ لهم إلا رفع المقاطعة ومسامحة الكبار لهم، تميم ووزير خارجيته جابوا أنحاء الأرض طلباً للوساطة والشفاعة، وكان الجواب: قطر صغيرة جداً جداً جداً».
نقلاً عن " البيان "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة