في 24 مارس الماضي، بعد شهر من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام العالم معلنا دعم أوروبا في ملف الطاقة.
"بايدن" قال إن الخطوات، التي ستتخذها بلاده مع الاتحاد الأوروبي، "ستقلل الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية".
لم يتوقف الأمر عند التصريحات القوية من رئيس أكبر دولة اقتصاديا في العالم، بل أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشكيل "فريق عمل" بهدف الحد من اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي.. على أن تحاول واشنطن، من خلال هذه المبادرة التي كشفها وتبنَّاها الرئيس الأمريكي "بايدن" بمباركة وتأييد رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، المساعدة في إمداد أوروبا بـ15 مليار متر مكعب إضافية من الغاز الطبيعي المُسال خلال 2022 فقط.
طموحات، أو بالأدق تلميحات، "بايدن" لم تتوقف عند "الدعم" لأوروبا والوقوف مع القارة العجوز في محنتها، والتي تجرها إلى شتاء قارس جدا، بل ذهب "بايدن" أيضا إلى ما هو أبعد، مُشخْصنًا المشهد العالمي، الذي قد يغير تركيبة القوى العالمية مستقبلا، في ذات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ليتخلى "بايدن" في حديثه، الذي لم يستغرق إلا بضع دقائق، عن نبرة الهدوء، مستخدمًا لغة جسدية أشبه بالتي كان يستخدمها "بوش الأب" و"الابن" أيام حرب العراق، معلنا أنه سيعمل مع أوروبا على نزع قدرات "بوتين"، بالتوازي مع خطوات لضمان أمن الطاقة.
وتقمصًا لرفاقه من عائلة "بوش" وخلال الدقائق ذاتها من مساء الرابع والعشرين من مارس الماضي، بلغ التحلّي عن الهدوء مداه من "بايدن"، إذ قال إنه سيكون هناك ردٌّ إذا استخدمت روسيا الأسلحة الكيماوية في أوكرانيا.
هنا وقفتُ كثيرا عند هذا التصريح من الرئيس الأمريكي، وهاجمتني الأسئلة، بل عادت بي إلى ما روّجت له أمريكا في حرب العراق، والتي رفعت راية "التحرير" وقتها، أيُعقل أن يُشهر "بايدن" سيف الرعب على نطاق واسع بقارة وكتلة اقتصادية بحجم أوروبا؟
ويبدو أن أوروبا قد شغفها المقطع الثاني من حديث "بادين" أملا، حين أعلن أن واشنطن ستخصص مليارَيْ دولار إضافية لمساعدة أوكرانيا، وأن الناتو سيعزز وجوده العسكري في شرق أوروبا للتصدي لـ"التهديدات" الروسية، هذا بخلاف العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة على روسيا، التي استعدت بدورها للحرب الاقتصادية بجدارة عبر مخزون هائل من الذهب، تبعته قرارات من "بوتين" بالتعامل بعُملته المحلية "الروبل" في توريد الطاقة، خاصة الغاز، ثم أعقبها بالإعلان عن نظام مالي عالمي جديد، عوضًا عن "سويفت" المعزولة عنه موسكو، لدرجة أن 70 مصرفًا أجنبيًّا من 12 دولة انضمت بالفعل إلى نظير "سويفت" الروسي، وكأن موسكو تقول لـ"بايدن": "كنا مستعدين".
المسافة بين موسكو وواشنطن 7.822.42 كيلو متر تقريبا، بينهما أوروبا بالكامل والمحيط الأطلسي وملايين من البشر، وآلاف الأفكار الجديدة ومئات المليارديرات وعشرات من الساسة الرافضين للحرب، ونحن في الشرق الأوسط منهم بلا شك، فلا خير في أي حرب ولا أمان بعدها.
الخلاصة، أن المشهد المتأزم في أوروبا أشبه بقصة الأرنب والثعلب، حين قال أرنب لثعلب واقف في الوادي: "أيها الثعلب الحكيم علّمني كيف أعيش عزيزًا في هذه الحياة.
ردّ الثعلب: كُن شجاعًا وأثبت ذلك الآن واقفز من التلّة التي أنت عليها.. فنظر الأرنب إلى السفح فوجده عميقا، فقال: لكني سأتحطم لو قفزتُ، ردّ الثعلب: عيبٌ.. أتنكسرُ وأنا موجود؟ سأمسك بك.. فقفز الأرنب المسكينُ وسقط على الأرض مكسورًا، فقال معاتبًا صديق الغفلة: لماذا لم تُمسك بي؟ فأجاب الثعلب: هذا أول درس لك في الحياة، أنت أرنب وأنا ثعلب.. ولا تثق الأرانب بالثعالب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة