هناك مجتمعات غربية قد تشعر بالفخر بوجود ظاهرة الشذوذ الجنسي لدرجة تباهي المصابين بهذا البلاء أمام الرأي العام العالمي رغم تعارضه مع الفطرة السليمة.
الكارثة الحقيقية في الأمر أنه لم يقف عند حد فخر هؤلاء بهذا الخروج على الفطرة وخطورته على أخلاق المجتمعات، وإنما في اعتقادهم خطأ أنه سلوك "قابل للتصدير" لباقي المجتمعات في أنحاء العالم كافة، بما فيها العربية والإسلامية، والتي تأبى أخلاقها وأعرافها مثل هذه الأمراض.
لذا جاءت ردود فعل هذه المجتمعات الرسمية والمجتمعية ضد ما يسمى "المثلية الجنسية" باعتباره سلوكا غير مقبول.
الشذوذ الجنسي ظاهرة موجودة، ولو على استحياء لدى بعض شعوب العالم منذ سنوات، بل وعقود.. لكنها كانت دائما تُعامَل كاستثناء و"شذوذ" بالمعنى الحرفي للكلمة.. ورغم أنها انتشرت إلى حد ما في السنوات الأخيرة، فإن شيئا لم يتغير بشأنها.. فقد زاد مؤيدوها في الغرب وزاد المتعاطفون معهم تحت شعارات زائفة من الحرية وحقوق الإنسان في ممارسة ما يريد كيفما يريد.
وبما أن هذا الملف بدأ يفرض نفسه على مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فربما يكون من المفيد الاحتكام إلى العقل والمنطق في مواجهة دُعاة الشذوذ أو من يجاريهم ويسير على دربهم، لأنهم كما يبدو لا يقيمون اعتبارًا للأديان والأخلاق.
النقطة الأولى: أنه بمجرد طرح التساؤل عن أسباب الانتفاضة المفاجئة والحماس المتزايد نحو إجبار شعوب العالم على الاعتراف بهذه الظاهرة الكريهة، فهذا يعني أنها ظاهرة غير طبيعية ومفتعلة ولا تمت لمقتضيات الطبيعة البشرية السوية بصلة.. وإلا لما كانت هناك حاجة إلى فرضها فرضا وإقحامها على الشعوب والمجتمعات التي ترفضها بفطرتها، وليس فقط بحكم المرجعيات الدينية أو الموروثات الثقافية.
فلو كانت ظاهرة طبيعية تلقائية وتشترك القيم الإنسانية فيها، لما استلزم الأمر كل هذا الجهد والافتعال، ولانتشرت بسلاسة وبترحاب في شتى بقاع الأرض.
المعنى، أن أولئك المدافعين عن ذلك البلاء، منطقهم معكوس.. فهم دائما يسألون عن أسباب الرفض والإنكار لتلك الممارسات الشاذة.. في حين أن السؤال المنطقي يجب أن يكون عن سبب الإقحام والإصرار على اختلاق غير الطبيعي وافتراض ما ليس قائما بين عموم البشر الأسوياء على الأقل.
النقطة الثانية المهمة أبعد من ظاهرة الشذوذ نفسها.. إذ تتعلق بالعَلاقة بين شعوب العالم وحدود التفاعل الثقافي والحضاري فيما بينها.. ولعل القارئ يتذكر كيف أصبحت العولمة الاقتصادية فجأة مقدمة لمحاولات متكررة لتعميمها ثقافيا وحضاريا.
ورغم مرور ما يزيد على عقدين من ازدهار العولمة الاقتصادية، لم تنجح أي محاولة لعولمة الثقافة أو تعميم قيم واحدة تطبق على كل المجتمعات بالشكل والدرجة نفسها.. بل إن العولمة الاقتصادية نفسها بدأت تتراجع وشهدت انتكاسات مُخزيةً لأسباب كثيرة ليس هذا مكان نقاشها.
إن محاولات تعميم -أو تصدير- أي ممارسة أو ظاهرة كالشذوذ لا تختلف في النهاية عن محاولات تصدير قيم ومبادئ غربية وتطبيقها على بقية العالم، كما لو كان العالم كله غربا أو يجب أن يصير كذلك.
والأمثلة هنا كثيرة وتشمل ما يسمى "حقوق الإنسان" و"قيم الليبرالية"، و"حرية التعبير"، وغير ذلك من شعارات ربما تليق بالغرب وتتماهى مع أفكاره ويليق الغرب بها.. بينما لا يمكن بحال تطبيقها في العالمين العربي والإسلامي، لسبب بسيط، وهو أن الإنسان الفرد هو المنطلق وهو الغاية وهو محور الحياة، بل هو مرجعية نفسه في العالم الغربي.. بينما الإنسان في المنظومة الثقافية والحضارية العربية والإسلامية محكوم بمرجعية عُليا ثقافية ودينية.
والفارق بين هذا وذاك واسع إلى حد أنه لا مشكلة لدى الغرب في انتقاد المقدّس نفسه.. فيما لدى العرب عموما، مسلمين ومسيحيين، حُرُمات ومقدساتٌ يجتمع فيها الدين مع الأخلاق ويرسخها التاريخ وتغذيها القيم الثقافية.
ومن أهم النقاط، التي يمكن طرحها في مجادلة الغرب ومحاججته بمنطقه فيما يتعلق بالحريات.. فإن قبول أو رفض ظاهرة الشذوذ الجنسي يخضع بالضرورة لحرية كل شعب أو مجتمع.
وبالتالي فلا مجال لفرضها أو مطالبة أي شعب أو دولة بقبولها قسرًا، وهو ما يناقض كلية حرية الأفراد والشعوب في الاختيار ورفض أو قبول أي ظاهرة أو قيمة أو مبدأ أو سلوك.
أخيرًا، فإن دعاة ومؤيدي الشذوذ اجتهدوا كثيرًا في البحث عن مداخل علمية لجلب التعاطف معهم، فحاولوا قبل سنوات إيجاد تبرير طبي باعتبار الشذوذ مرضًا أو إصابة يولد بها بعض البشر، لكن أثبتت الحقائق والبحوث العلمية أن الشذوذ ظاهرة سلوكية وليس مرضا عضويا، فسقطت حُجة أنه مرض أو أمر يولد الإنسان به.
ويجب هنا التوقف طويلا أمام هذا الجانب في السجال حول الشذوذ، فالمغالطة بهذا الخصوص تشبه كثيرًا ما يقوله مُدمنو المخدرات أو الكحول بأنهم لا يملكون التوقف لأن الإدمان تسبب في تغيير التوازن البيولوجي والكيميائي بأجسامهم.. فهما يتفقان في النتيجة كما يتفقان في إغفال السبب.
وهكذا يمكن القول إن دعاة الشذوذ لو واجهوا أنفسهم بصراحة وحيادٍ، ولو خاطبوا عقولهم بمنطقهم نفسه، لتخلَّوا عن الترويج له، ولما دَعَوا العالم إلى قبوله كما لو كان قدَرَا محتوما.. بل وربما لو كانوا محايدين وموضوعيين بحق كما يدّعون ويدعي الغرب دائما، لتخلَّوا عن تلك الظاهرة السلوكية البغيضة، ولبحث كل منهم عن مصحة للعلاج أو وسيلة للاستشفاء من ذلك الداء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة