دماء متناثرة على رصيف جامعة جرّاء ذبح طالبة جهارًا نهارًا. جثمان لمذيعة تعرضت للتعذيب من زوجها. شاب ينحَر رقبة أخته لمجرد خلاف أسري.
اعتداء فتى على طفلة واغتصابها.. مقتل ربة منزل على يد نجل شقيق طليقها بعد فشله في اغتصابها.. عامل يقتل زوجته بسبب "مصروف بيت".. "صور مزيفة" تدفع "بسنت خالد" للانتحار.. هذا ليس خيالا في أفلام رُعب.. إنه واقعنا.. فأهلا بكم في "أرض الخوف".
هذه مجرد مجموعة عناوين مجتزأة من صحف مصرية تختزل كل منها قصة مأساوية مختلفة التفاصيل، لكن القاسم المشترك بينها أن الضحايا نساء.
خلال أسابيع قليلة ماضية خطفت حوادث في المجتمع المصري الأنظار.. أشعلت "نار الخطر" بأن فتياتنا ونساءنا يتحركن على أشواك في الشوارع، كما تقول مصريات كثيرات في تدوينات تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي إثر كل حادث، بعدما تواترت جرائم العنف ضد نوعهنّ، وتصاعدت حدة بعضها للقتل بصورة بشعة، صارت مع الوقت اعتيادية.
لم تكن مصر الطيّبة وحدها مَن لفتت الانتباه للعنف المتصاعد ضد المرأة خلال الأسابيع الماضية، بل اصطفَّت بجانبها حوادث من الأردن، وحضرت الجرائم المشابهة -ولو على فترات- في العراق، وبالطبع في اليمن نتيجة ممارسات الفوضى، التي نشرتها مليشا "الحوثي" الإرهابي في مجتمع اليمن العريق الذي كان سعيدًا يومًا ما، والقائمة لا تزال تطول وتتمدَّد.
وحتى لا نجلد ذواتنا، نسأل: هل المنطقة العربية وحدها هي التي تعاني من أزمة "العنف ضد المرأة"؟، الإجابة كما تقولها منظمة الصحة العالمية: لا.. إذ تشير التقديرات العالمية المنشورة من منظمة الصحة العالمية إلى أن واحدة من كل 3 نساء "30%" في أنحاء العالم تتعرض في حياتها للعنف البدني و/أو العنف الجنسي على يد الشريك.
وتبرز قضية العنف ضد المرأة في ظل وجود شريك، فتقديرات منظمة الصحة العالمية تقول إن أكثر من رُبع النساء، اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة، يتعرض للعنف البدني و/أو الجنسي على يد الشريك مرة واحدة على الأقل على طول الحياة.
وتتراوح التقديرات المتعلقة بمعدلات انتشار عنف الشريك ضد المرأة خلال حياتها بين 20٪ في غرب المحيط الهادئ، و22٪ في البُلدان مرتفعة الدخل وأوروبا، و25٪ في الأمريكتين، و33٪ في أفريقيا، و31٪ في شرق المتوسط، و33٪ في جنوب شرق آسيا.
الأرقام، التي عادة لا تكذب، تشير إلى أن العنف ضد المرأة ليس قضية عربية فقط، لكنها تكشف أن حجم معاناة المرأة العربية أكبر من مثيلاتها في أي منطقة أخرى من عالمنا.
ومع تحول قضايا العنف ضد المرأة مؤخرًا إلى ظاهرة مقلقة، ألقى بعض المتابعين في أسبابها باللائمة على الفن، والبعض الآخر لام الأوضاع الاقتصادية، وفريق ثالث تبنَّى التردّي المجتمعي من جهة القيم، وتآكل الطبقة الوسطى الوازنة، فيما قلّل طيف مناقض من حجم الأزمة، زاعمًا أن هذه الجرائم كانت تحدث في الماضي البعيد، وربما بشكل أكثر بشاعة، ولكن لم تكن هناك شبكات تواصل اجتماعي تسلط الضوء على هذه الأرض المخيفة بهذه الصورة العاجلة.
الحالة المصرية، وغيرها، تستدعي إجراءات استثنائية لمواجهة عنف متصاعد ضد المرأة، وتوجه بضرورة استعجال قانون لحماية المرأة، يغلّظ عقوبات الجرائم المرتكبة ضدها على أساس النوع، قبل أن نصل إلى وضع متأزم لا علاج له مستقبلا ولا أحد يعرف مآلاته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة