الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في البداية ردَّ على ما تسرَّب من أخبار عن تراجعه عن وعده الانتخابي، بنبذ السعودية.
قال، سيذهب لإسرائيل وقد لا يزور السعودية.
بعد تسرّب مزيد من الأخبار المؤكدة، عادَ وقال، نعم، قد يزور السعودية، لكنَّه ربَّما لن يجتمع بالعاهل السعودي أو ولي العهد.
ثم بعد أسبوع نشرت معلومات أكثر، "اعترف" أنه ذاهب للمشاركة في المؤتمر، قمة مجلس الخليج التشاورية، التي تستضيفها السعودية، ودعت إليها زعماء الولايات المتحدة ومصر والعراق والأردن، وأنَّه سيلتقي بالقادة خلالها.
الحقيقة أنَّ إجابات "بايدن" المراوغة، ليست ذكية، أولاً، لأنَّها ليست صحيحة. وثانيًا، وهو الأهم، لأنَّه لا أحد يصدقها، بمن فيهم القلة التي تعارض زيارته السعودية.
بالمراوغة يظنُّ أنَّه يتخلَّص من الحرج، فقد قطع وعدًا في الانتخابات وحانَ الوقت لنكثه.. الجميع يعلم أنَّه... إذا ذهب إلى هناك، سيلتقي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد محمد بن سلمان، وربما أكثر من مرة، ولقاءات منفردة.
والجميع، الأصدقاء والخصوم، يدركون أنَّه ليس صادقًا البتة. إذًا، السؤال لماذا يضع الرئيس نفسه في هذا الموقف الحرج مرة ثانية؟
الرئيس السابق، دونالد ترامب، قال في السعودية كلامًا سيئًا، عندما كان مرشحًا انتخابيًّا، أكثر مما قاله "بايدن"، وأكثر مما قاله مالك في الخمر، وبعد أن دخل "البيت الأبيض"، وجلس مع قيادات إدارته، حزم أمرَه سريعًا، وقرر أن تكونَ الرياض أولَ عاصمة يزورها.
"بايدن" سياسي حذر أكثر من ترامب.. يريد التقارب لكن بلغة ملتوية، ويسلك دربًا أبعد.. فقد أرسل عددًا من مسؤوليه الفاعلين إلى الرياض خلال الأشهر القليلة الماضية لمقابلة ولي العهد، من بينهم وزير الخارجية، ومدير "سي آي إيه".
وجاء رئيس الأركان الأمريكي لمركز عمليات الدرعية المشترك في الرياض.. كما استضافت الإدارة الأمريكية نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، الذي التقى مستشار الأمن القومي، وكذلك وزير الدفاع.
في الواقع، "بايدن" بدأ مبكرًا مساعيَه لترميم العلاقة مع السعودية، وليس بعد وقوع الأحداث الكبرى الأخيرة.. فقد أرسل مستشاره للأمن القومي، جاك سوليفان، للرياض في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، قبل نحو 4 أشهر من غزو روسيا أوكرانيا، وقبل أن يصعدَ سعر برميل البترول إلى 80 دولاراً.
الذي أعنيه، أن الإدارة الأمريكية تدرك ضرورات مصالحها العليا، و"بايدن" الذي أراد أن يتبنَّى سياسة مخالفة لترامب في علاقته مع الرياض، نتيجة ضغوط أطراف معينة، ضيّع وقته وهو يحاول إرضاء فئة محدودة، وأخيرًا غلّب المصالح العليا الأمريكية.
الولايات المتحدة تحتاج إلى ترميم علاقاتها مع شركائها الرئيسيين، فالأوضاع في العالم تزداد توترًا وليس العكس.
توسعت الجبهات السياسية الخطرة، والأكثر خطورة هي الحرب الروسية في أوروبا.. وعاد النفط والغاز سلاحين فاعلين في اللعبة الجيوسياسية الدولية.
"بايدن" ليس الرئيس الأمريكي الأول الذي يختلف مع السعودية، فتاريخ علاقة واشنطن مع الرياض مليء بالأشواك الانتخابية.. المرشحون الرئاسيون يحاولون إرضاء فئات بعينها في قضايا مثل حقوق المرأة، أو النفط، أو إسرائيل، أو الكنائس، لكن كل الرؤساء، ولا أعرف استثناء، كلهم يصبحون بعد وصولهم إلى "البيت الأبيض" على علاقة جيّدة مع الرياض.
حتى في الأيام العادية، كانت الوفود الأمريكية عندما تجتمع بالوفود السعودية تقترح أن تقدم ملاحظاتها، مثلاً "تحفظاتها على أوضاع المرأة في السعودية" ونحوها، ويطلبون عدم التعليق من الجانب السعودي، لأنَّها مجرد تسجيل موقف موجه لإرضاء أطراف أمريكية، ستفتش لاحقًا، في محاضر الاجتماعات إن كانت الحكومة الأمريكية قد نقلت رأيَها للسعوديين.
وهكذا كان الجانبان يكملان ما اجتمعا من أجله دون البحث في القضايا الخلافية.. ومعظم القضايا، التي كان يثيرها الأمريكيون في الماضي، لم تعد موجودة مع الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي الكبير في السعودية.
لكن هذا لا يعني أنَّ العلاقة اليوم "سمنٌ على عسل"، فالرياض تريد روسيا للمحافظة على توازن سوق النفط، والاحتفاظ بالصين كسوق كبيرة لنفطها، ولن تقبل بترك إيران تستولي على اليمن، خاصرتها الجنوبية، كما استولت على العراق وسوريا ولبنان وغزة.. هذه قضايا خلافية صعبة، ومن المتوقع إن التقيا منتصف هذا الشهر، أن يعمل الجانبان معًا للاتفاق بشأنها.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة