بايدن وكيري.. رياح السياسة الأمريكية تملأ شراع "اتفاق المناخ"
شكلت السياسة الأمريكية دفعا قويا للعالم للتوقيع على اتفاق للمناخ، لكن رياح السياسة أربكت مساراتها فتقاذفتها أمواج الانسحاب والعودة.
فقبل أكثر من 5 سنوات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي دفعت نحو التوقيع على اتفاقية باريس للمناخ، المسماة أيضا "كوب 21"؛ وتهدف إلى احتواء الاحترار العالمي لأقل من درجتين، وحدة في 1.5 درجة.
لكن البلد نفسه فاجأ العالم في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ليعلن انسحابه وفاء بوعد انتخابي، ليكون بذلك الدولة الوحيدة التي انسحبت من المعاهدة.
شرخ صدم العالم، وحاول خلفه الرئيس الحالي جو بايدن رأبه منذ أولى أيام حكمه، فعادت واشنطن بصورة كاملة إلى الاتفاق اعتبارا من 19 فبراير/شباط الماضي.
وما بين الانسحاب والعودة، تمنح واشنطن الضوء الأخضر لانطلاق رحلة طويلة لإصلاح داخلي لسياسات المناخ، في مسار يدعم الجهود الدولية في هذا الإطار.
وتعتبر اتفاقية باريس للمناخ أول اتفاق دولي شامل حول حماية المناخ، تم التوصل إليه بالعاصمة الفرنسية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، وشكل ثمرة مفاوضات مطولة بين ممثلين عن 195 دولة، وتلزم المعاهدة الدول الموقعة باحتواء معدل الاحتباس الحراري.
وفي أبريل/نيسان 2016، وقعت 190 دولة على الاتفاق.
الانسحاب
في الأول من يونيو/حزيران 2017، أعلن ترامب خلال مؤتمر صحفي عقده بالبيت الأبيض، أن واشنطن ستنسحب من اتفاقية باريس للمناخ، معتبرا أن الأخيرة فرضت "أعباءً اقتصادية جائرة" على الولايات المتحدة.
قرار دخل حيز التفعيل رسميا في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ولاقى انتقادات من قبل الديمقراطيين والمدافعين عن البيئة في الولايات المتحدة وحول العالم.
واعتبر ترامب، حينها، أن بنود الاتفاق تقف عائقا أمام نمو الاقتصادي الأمريكي، حيث يضرّ بقطاع الطاقة وبفرص العمل والوظائف، وعليه فلن تلتزم واشنطن بـ"القيود المالية والاقتصادية الشديدة التي يفرضها الاتفاق على بلادنا"، وفق قوله.
وشدد على رفضه "كل ما يمكن أن يقف في طريق نمو الاقتصاد الأمريكي"، معتبرا أنه حان الوقت لإعطاء الولايات المتحدة أولوية على باريس وفرنسا.
وتعليقا على القرار، قال ديفيد واسكو، مدير مبادرة المناخ الدولية في معهد الموارد العالمية الأمريكي، إن "الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية يشبه صعود السُّلم المتحرك في الاتجاه المعاكس"، خصوصا أن هذا البلد يعتبر ثاني أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون حاليا، بعد الصين.
فيما حذر أستاذ السياسة العامة بجامعة كولورادو، مورغان بازيليان، من الكلفة الدبلوماسية للانسحاب الأمريكي، معتبرا أنه ليس من الهين محاولة إعادة بناء المكانة الدولية لبلد ساعد بانضمام العالم لاتفاق باريس ثم تخلى عنه فجأة.
العودة
وفي فبراير/شباط الماضي، وبعد 30 يوما من توقيع الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أمرا تنفيذيا حول الأمر، عادت واشنطن رسميا إلى اتفاقية باريس للمناخ.
قرار وقعه بايدن بعد ساعات من أدائه اليمين الدستورية، في تنفيذ فوري لوعد انتخابي قطعه، ومن منطلق إدراكه لأهمية اتفاق يحاول ضمان استدامة الحياة على كوكب الأرض.
أهمية وأولوية ترجمتها استحداث بايدن منصب مبعوث أمريكي خاص لملف التغير المناخي، وتعيين وزير الخارجية السابق جون كيري لإدارة ملف التغيرات المناخية.
وفي أول تصريحاته عقب تقلده المنصب، قال كيري إن واشنطن تعود لمحادثات المناخ العالمية "بخجل" بعد أن "تخلينا عنها لأربع سنوات ضائعة".
وشدد كيري على الحاجة إلى تسريع وتيرة إزالة الكربون على الصعيد العالمي، مؤكدا أن الولايات المتحدة "ستمضي قدما بمزيج من التواضع والطموح".
وتفعيلا للتوجه الأمريكي الجديد، يقوم كيري بجولة تقوده إلى الإمارات العربية المتحدة والهند وبنجلاديش، وذلك قبل أول قمة افتراضية حول الاحترار المناخي ينظمها بايدن يومي 22 و23 أبريل/نيسان الجاري. تزامنا مع يوم الأرض.
ودعا إلى هذه القمة 40 من قادة دول العالم، بينهم قادة الدول الثلاث التي يزورها كيري.
وبعودة واشنطن إلى الاتفاق، يكون بايدن أوفى بأحد أبرز وعوده الانتخابية بشأن خطته المناخية، في خطوة يرى مراقبون أنها تمنح شارة انطلاق رحلة طويلة لإصلاح داخلي بمجال المناخ، ومعاضدة الجهود الدولية بهذا الملف.
خطوات تفسح المجال أمام واشنطن للعب دور مهم في قمة "كوب 26" من المنتظر أن تنظمها الأمم المتحدة حول المناخ بمدينة غلاسكو باسكتلندا في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
دور من شأنه أن يدعم الجهود العالمية في هذا الصدد، خصوصا أن الولايات المتحدة تعتبر واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، ما يجعلها أكبر المساهمين أيضا في تغير المناخ، ويحتم عليها البدء بكتابة فصل جديد من التعاون في الملف، وفق خبراء.
الإمارات.. ريادة وجهود
تعتبر الإمارات أول دولة خليجية توقع على اتفاق باريس للمناخ، في ريادة تؤكد حرصها على استدامة المناخ من أجل بيئة صحية للأجيال الراهنة والمستقبلية.
كما تعد الإمارات واحدة من أول 3 دول عربية توقع على الاتفاق، وتخصص سنويا حدثا عالميا على أراضيها، بشأن الاستدامة تحت عنوان "أسبوع أبوظبي للاستدامة"، ويعد المناخ أهم محاوره السنوية.
وأمس الأحد استضافت الإمارات الحوار الإقليمي بشأن العمل المناخي، في حدث ينعقد قبل قمة القادة للمناخ في العاصمة الأمريكية واشنطن في وقت لاحق من هذا الشهر، وتمهيداً لانعقاد مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ.
وأصدر المشاركون في الحوار الإقليمي بياناً مشتركا أكدوا من خلاله التزامهم بضمان إنجاح اتفاق باريس، وبناء المزيد من الزخم تحضيرا للقمة التي دعا إليها بايدن لقادة المناخ، وكذلك مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (كوب 26).
ويشكل الحوار منصة متخصصة للدول المشاركة لتبادل الخبرات وبحث سبل التعاون للحد من ارتدادات تغير المناخ والتأقلم معها والتركيز على الفرص الاقتصادية التي يتيحها العمل المناخي، في حدث يعكس الجهود المبذولة في واحدة من الملفات الشائكة المطروحة على العالم بالسنوات الأخيرة.
جهود لا تخص حدثا بعينه، وإنما تندرج في إطار سياسة عامة للبيئة تتبناها الدولة محليا، وتجلت بشكل واضح من خلال التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنيا لدولة الإمارات والذي تم الإعلان عنه وتسليمه إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
نموذج فعال تسعى دولة الإمارات لتقديمه للعالم، لمعاضدة الجهود الساعية لمواجهة التحديات المناخية المفروضة على دول المعمورة، وتأمين حياة بمواصفات صحية للأجيال، في مسيرة بدأت منذ تأسيس الدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
aXA6IDMuMTQzLjIzNS4xMDQg
جزيرة ام اند امز