الاتفاق فرضته بعض الاعتبارات من جانب واشنطن من أهمها رغبة الرئيس ترامب في وضع حد لما بات يعرف بأنها أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة
بعد ما يقرب من 20 عاما من الحرب، وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية في نهاية فبراير الماضي اتفاقا اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه "يوفر إمكانية لإنهاء الحرب في أفغانستان وإعادة الجنود إلى الوطن"، وسط ترحيب العديد من دول العالم التي أعربت عن أملها في أن يقود هذا الاتفاق إلى استعادة الأمن والاستقرار وتحقيق السلام الذي ينشده الشعب الأفغاني بعد عقود طويلة من الصراعات والحروب التي أنهكته.
الاتفاق الذي نص على انسحاب جميع القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهرا، ورفع العقوبات الأمريكية عن أفراد حركة طالبان بحلول 27 أغسطس 2020، وإطلاق سراح ما يصل إلى 5 آلاف سجين من طالبان ونحو ألف من سجناء الحكومة الأفغانية، مقابل ضمانات أمنية من حركة "طالبان" بعدم استهداف المصالح الأمريكية، وعدم استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة أو ملاذ آمن لأي من التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم القاعدة، وتعهّدا من الحركة بعقد محادثات سلام مع حكومة كابول للتوصل إلى اتفاق سلام داخلي، وُصف على نطاق واسع في الإعلام الأمريكي والغربي بأنه أقرب إلى "الإقرار بالهزيمة والفشل"؛ لأنه يحقق لطالبان ما تنادي به منذ إسقاطها من الحكم عام 2001، مقابل تعهدات غير مضمونة، ولكنها كافية على ما يبدو من وجهة نظر واشنطن لتبرير اتخاذ خطوة الانسحاب من أفغانستان التي كان قد تعهد بها الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية الأولى.
لا شك أن اتفاق واشنطن-طالبان قد فرضته بعض الاعتبارات من جانب واشنطن، من أهمها رغبة الرئيس ترامب في وضع حد لما بات يعرف بأنها أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، وتحقيق وعوده للناخبين الأمريكيين بإعادة الجنود الأمريكيين إلى أرض الوطن، قبل خوض جولته الانتخابية الجديدة أواخر العام الجاري
كما وُصف الاتفاق أيضا بأنه "هش"، ليس فقط لأن حركة طالبان المتشددة لا تمثل شريكا موثوقا به، ولا يوجد ما يضمن أن تعود مجددا للتحالف مع الجماعات المتطرفة والإرهابية التي لطالما وفرت لها الملاذ الآمن، قبل وبعد الحرب على أفغانستان عام 2001، ولكن أيضا لأن الحكومة الأفغانية التي يفترض أن تتفاوض معها الحركة منقسمة على نفسها، ويتصارعها تكتلان، أحدهما بقيادة الرئيس الحالي أشرف غني، والآخر بقيادة منافسه الطاجيكي عبدالله عبدالله الذي يدعي هو الآخر الانتصار في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فمع من ستتفاوض طالبان لإنهاء الحرب الأهلية؟ والأهم من ذلك أن هذا الانقسام قد يعطي طالبان الفرصة للسيطرة على الحكومة الأفغانية المقبلة، إذا نجحت المفاوضات الداخلية في هذا المسار، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن هل المجتمع الدولي مستعد للتعامل مع حكومة بقيادة طالبان من دون حدوث تغيرات جوهرية في توجهات الحركة وسياساتها المتشددة؟! ولعل قيام واشنطن بتنفيذ غارة عسكرية على مواقع لطالبان بعد توقيع الاتفاق ردا على قيام الحركة بتنفيذ عدة هجمات على حكومة كابول وقتل 20 جنديا أفغانيا، يمثل مؤشرا مهما على "هشاشة" هذا الاتفاق.
لاشك أن اتفاق واشنطن - طالبان قد فرضته بعض الاعتبارات من جانب واشنطن، من أهمها رغبة الرئيس ترامب في وضع حد لما بات يعرف بأنها أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، وتحقيق وعوده للناخبين الأمريكيين بإعادة الجنود الأمريكيين إلى أرض الوطن، قبل خوض جولته الانتخابية الجديدة أواخر العام الحالي، ووضع حد للخسائر التي مُنيت بها الولايات المتحدة جراء هذه الحرب، التي كلفت واشنطن أكثر من ستة آلاف قتيل أمريكي وما يقرب من تريليون دولار، من دون وجود أي أفق أو مؤشر على أن القوات الأمريكية تقترب من تحقيق النصر في هذه المعركة وهزيمة طالبان، بل إن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن الهجمات التي شنتها طالبان في الربع الأخير من عام 2019 كانت في أعلى مستوياتها خلال التسع سنوات الأخيرة، كما أن جهود واشنطن لبناء قوات أفغانية مؤهلة وقادرة على تحقيق الأمن ومواجهة هجمات المتطرفين، لم تؤد بدورها إلى نتائج ذات أهمية كبيرة. كل هذا دفع واشنطن إلى التفاوض مع طالبان تمهيدا للانسحاب والخروج من هذه الحرب بأقل التكاليف الممكنة، وهو ما تجسد في توقيعها على الاتفاق الأخير رغم ما به من عيوب.
ومع ذلك، دعونا نأمل في أن يشكل الاتفاق بارقة أمل لإنهاء الحرب الطويلة التي عانى منها الشعب الأفغاني، وأن تستوعب حركة "طالبان" دروس الماضي في العمل على تغيير نهجها المتشدد، والتعاون مع باقي الفرقاء الأفغان في التأسيس لمرحلة جديدة من الحكم المدني الرشيد، تضع أفغانستان وشعبها على طريق الاستقرار والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة