رغم التوقع المبدئي بأنه لن يحدث تغيير كبير في مسار العلاقات بين واشنطن وتل أبيب بعد لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي جرى مؤخرا على هامش فعاليات الأمم المتحدة
إلا أن الدوائر اليهودية في واشنطن تدفع بقوة للعمل على تطوير مستوى العلاقات وتنميتها في إطار العلاقة الخاصة بين البلدين.
وفي إشارة مهمة لما ذكره الرئيس الأمريكي جو بايدن في اللقاء بأن العلاقات بين البلدين فولاذية، ومن ثم يجب النظر إليها بمعايير مهمة، وفي إطار الحرص على أن تمضي العلاقات في اتجاهاتها المعتادة مع التأكيد بوجود خلافات لا تمس جوهر العلاقات المشتركة والتاريخية.
مع التسليم بأنه منذ سنوات إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون هناك خلافات دبلوماسية بشأن التعامل مع ملف القدس، والاستيطان والموقف من إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وكذلك تفسير نص قراري 242 و338، وغيرها من المواقف.
لكن الإشكالية الحقيقية من قبل الإدارة الأمريكية الحالية تتلخص في التحفظ علي إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للداخل، وكذلك علاقاته بمكونات الائتلاف الراهن، بالرغم من أنه ائتلاف متسق، ولديه مقاربة حقيقية لتغيير واقع الصراع العربي الإسرائيلي من مجرد إدارته إلى حسمه من خلال سلسلة الإجراءات، والتدابير التي أقدم عليها، ولديه خطة متكاملة للعمل عليها، وهو أمر لافت بالفعل، وتمثل في تنفيذ بنود اتفاق الشراكة، والاستمرار في مزيد من الاقتحامات للمسجد الأقصى، وتكثيف أعمال الحفر والردم، واستئناف سياسة الاستيطان في القدس، والشروع جديا في تنفيذ خطة 2075، والتي تعمل في اتجاه طرد آلاف الأسر المقدسية من مواقعهم الراهنة والشروع في تنفيذ المخطط البديل، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية ترى أن مثل هذه الإجراءات وغيرها، والخاصة أيضا بالمضي قدما في برنامج الإصلاح القضائي بل، وتولي بعض الوزراء بالاسم أدى لتفجير الموقف في إسرائيل، ولمزيد من حالة التوتر والتجاذب الكبير، وإلى خروج الجمهور الإسرائيلي مطالبا بوقف وتجميد ما يتم طرحه.
ومع استمرار المشهد الداخلي وتصعيد المظاهرات، وتكثيف فعالياتها سيؤدي الأمر إلى مزيد من حالة الاحتقان الداخلي حيث يتركز الموقف الأمريكي في ضرورة العمل على تشكيل حكومة جديدة، وإعادة ترتيب الأولويات والانطلاق نحو مرحلة جديدة في العلاقات مع التراضي بحجم الخلافات بشأن التعامل مع الحالة الإيرانية، ومراعاة ضوابط الأمن القومي الإسرائيلي، وتلبية متطلباته، إضافة لتفعيل الدور الأمريكي الراهن في ملف التطبيع مع السعودية حيث تسعى الولايات المتحدة لتحقيق إنجاز حقيقي في هذا الملف لما له من أهمية كبيرة لدى إسرائيل، وحكومتها الراهنة، ولشخص رئيس الوزراء نتنياهو، والذي سيمكن تسويقه جماهيريا في إطار لعبة الصراع الداخلي.
ومن ثم فإن نجاح الإدارة الأمريكية في تحقيق التقارب السعودي الإسرائيلي سيؤدي إلى نتائج إيجابية، وهو ما يراهن عليه نتنياهو ورفاقه في الائتلاف الراهن.
والواقع أن الإدارة الأمريكية لديها توجه إيجابي داعم للموقف الإسرائيلي في كثير من المواقف العامة، وليس في تفاصيل ما يجري، ويخص الداخل الإسرائيلي، فالإدارة الأمريكية بل والسفير الأمريكي المعتمد في القدس توماس نايدز، وعدد من كبار الدبلوماسيين الأمريكيين شاركوا في مراحل تشكيل الحكومة الراهنة بمكونات ائتلافها بل، وطرحوا رؤية لتقريب وجهات النظر، ومع ذلك لم يستمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لما طرح وصمم على تشكيل ائتلاف متسق في فكره وآرائه، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية بل ووزير الخارجية الأمريكي بلينكن يحذر من أن الحكومة الراهنة ستؤدي إلى حالة من القطيعة مع العالم، ومع ذلك مضت الحكومة في مسارها خاصة، وأن إدارة الاختلاف بين البلدين محكومة دائما بضوابط لا يمكن الخروج عنها أبدا، وهناك بالفعل خطوط حمراء في التعامل، فالولايات المتحدة ليست البيت الأبيض، ولا الرئيس الأمريكي أي كان جمهوريا أو ديمقراطيا.
ومن ثم فإن أمن إسرائيل أولوية أولى لا يمكن مناقشتها، أو التعرض لها ودعم إسرائيل إقليميا ودوليا لا غبار عليه، بدليل أن الإدارة الأمريكية - وفي خضم ما يجري من تجاذبات - دعمت الموقف الإسرائيلي بصورة غير مباشرة في التعامل مع السلطة الفلسطينية، ولم تفرض خيارا أو تضغط في اتجاه التعامل مع السلطة بل لم تسع إلى إجراء أية اتصالات أو لقاءات، ولو في إطارها الشكلي، واستمرت منفتحة علي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي معا، وعملت في اتجاه محدد يركز على ضرورة استئناف التنسيق الأمني والاستراتيجي بين الجانبين، والعمل في اتجاه وقف المواجهات التي تشنها الفصائل الفلسطينية في الضفة، وكذلك محاولة تهدئة الأوضاع في قطاع غزة، ومع ذلك لم تقدم الإدارة الأمريكية فعليا على دعم السلطة الفلسطينية، أو إعادة تعويم دورها الفعلي في الداخل الفلسطيني، ولم تفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، أو القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وغيرها من الإجراءات التي وعدت بها إدارة الرئيس جو بايدن.
ولجملة من الأسباب السابقة فإن الإدارة الأمريكية ستعمل مع الحكومة الإسرائيلية بصرف النظر عن علاقة الرئيس جو بايدن، ورئيس الوزراء نتنياهو، والانتقال بمستوى العلاقات إلى طبيعتها خاصة وأن التقييمات الأمريكية في الخارجية والبيت الأبيض تخلص إلى أن الحكومة الإسرائيلية الراهنة مستمرة في مهامها، وأن نتنياهو لن يتراجع عن موقفه إلا وفق صفقة شاملة، والذي يمكنه التهدئة إما بزحزحة الأزمة أو تجميد القرارات، والاتجاه إلى حوار وطني جديد، وقد ترى الإدارة الأمريكية– وفي إطار مواجهة ما يجري– الحل في إعادة ترتيب الأولويات، وتشكيل ائتلاف وطني شامل للخروج من المأزق الراهن، وحفاظا على الاستقرار السياسي المنشود، وبنفس المنطق العمل على إعادة تقديم قائمة تحفيزية لرئيس الوزراء الإسرائيلي – الذي لن يمانع – إذا وجد دعما أمريكيا في ملفات معينة، ومنها ملف السلام مع السعودية، واستئناف التنسيق الأمني مع رام الله والتجاوب المباشر مع المتطلبات الإسرائيلية في ملف إيران النووي، ومن ثم قد يعيد التفاوض مع زعيم المعارضة بيني غانتس تحديدا ليكون مدخله المباشر في أي تغيير حكومي في المدي المتوسط.
ستظل الإدارة الأمريكية حريصة على علاقتها بالحكومة الإسرائيلية مهما كان حجم الخلافات الراهنة خاصة، واللوبي اليهودي في واشنطن سيظل داعما للحكومة الإسرائيلية ولاستقرار الدولة، وليس لشخص رئيس الوزراء نتنياهو، والذي يتعامل بأنه الأقوى والموجود في الواجهة السياسية، ولهذا فإنه سيسعى للتجاوب مع بعض المتطلبات الأمريكية في إطار توافقات شاملة مع الحرص على استمرار العلاقة الهيكلية، وعدم تعرضها لأية أزمات ولو شكلية. ولهذا فإن لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء نتنياهو مقدمة لما هو آت من مكاسب تعمل الحكومة الإسرائيلية على تحقيقها في الفترة المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة