مشروع حصد الضباب، مبادرة تم إنجازها في جنوب المغرب من أجل ربط المنازل بالماء الصالح للشرب والتخفيف من محنة النساء في جلب الماء.
كانت نساء القرى في منطقة سيدي إفني جنوب المغرب يقضين ساعات طويلة في جلب الماء، ويرتفع عدد الساعات الذي يصل إلى ما بين 3 و4 ساعات يوميا، بسبب وعرة المسالك وبعد الآبار.
وتتضاعف مسؤوليات النساء القرويات داخل الأسرة، لأنهن يشتغلن أكثر من الرجال في الحقول الزراعية، لكن مع التغيرات المناخية التي يعرفها المغرب تعاني هؤلاء النساء أكثر في جلب الماء لأسرهن.
حصد الضباب روى ظمأ الأطفال
تقول فاطمة أم لأربعة أبناء تنحدر من دوار بجماعة (بلدية) أملو، في حديث مع "العين الإخبارية"، إنها كانت تقطع يوميا مسافة 20 كيلومترا لجلب الماء، وفي غالب الأحيان تعود خاوية الوفاض لعدم وجود قطرة ماء في جوف البئر.
وأضافت فاطمة "الحمد لله مشروع حصد الضباب روى ظمأ أطفالنا، وجعلنا نعيش حياة سعيدة، لأن المشروع ساهم في ربط الماء بيوتنا، وخفف من محنتنا ومعاناتنا اليومية في البحث عن الماء في الأماكن الوعرة".
وأما زهرة، أرملة وأم لخمسة أطفال فتقول: "لم أكن أظن يوما أن الضباب سيزيل شبح العطش ويدخل الفرحة في قلوب أطفالنا".
تابعت زهرة بصوت مبحوح " كنا نعاني في قريتنا من شح الماء ونتذوق مرارة العذاب من أجل جلب الماء".
ومن جانب آخر، قالت أم هاني امرأ مسنة: "بسبب الجفاف القاتل وندرة المياه كنا نجبر بناتنا القاصرات على الذهاب لسقي الماء، ما يتسبب في حرمانهن من التعليم، لكن مشروع حصد الضباب أدخل الفرحة لجميع البيوت".
حصد الضباب ينهي معاناة النساء
ومن أجل وقف معاناة النساء وسكان الدواوير بمنطقة سيدي إفني (جنوب المغرب) مع العطش وتكبد مشاق الطريق للبحث عن قطرة الماء بسبب قلة المياه الجوفية، اهتدى عيسى الدرهم، رئيس جمعية دارسي حماد بسيدي إفني متأثرا بتجارب دولية وقرر نقلها إلى الدوار الذي يقطن به بشراكة مع مؤسسة ألمانية بهدف توفير مياه نظيفة تصل إلى منازل السكان.
وحسب الدكتور عيسى الدرهم، رئيس جمعية سي حماد، في حديث مع "العين الإخبارية"، فأكد أنه حين كان يقطن بكندا، نشرت منظمة FogQuest عام 1989 نتائج أول مشروع لها عن صيد الضباب في صحراء أتاكاما في شيلي بدت له فكرة وجود هذه التكنولوجيا، جد ممكنة بمنطقة جبال الأطلس، حيث قضى هم معظم طفولته، إذ كان يدرك جيدا وجود الضباب بالمنطقة، كما عرف المعاناة الناجمة عن نقص المياه هناك ومدى تأثير هذا النقص على تطور المنطقة، ومن تم بدأ العمل على إمكانية المشروع ووضع المشروع على طول تضاريس جبلية بأيت باعمران في الجنوب الغربي للمغرب.
تحويل الضباب إلى ماء صالح للشرب
ويعتبر هذا الفضاء الذي هو على حدود الصحراء وبعد 35 كلم في خط مباشر من المحيط الأطلسي منطقة شبه صحراوية بمناخ جاف تتميز بندرة التساقطات المطرية بمعدل(112 ملم سنويا)، غير أن الموقع يستقبل ضبابا كثيفا ومتكررا خلال 143 يوما من السنة، وهذا الضباب هو الذي تحصده دار سي حماد وتحوله إلى ماء صالح للشرب ليتم إيصاله إلى السكان.
وعن السياق الاجتماعي للمشروع، فقال الدرهم، إن سكان هذه المنطقة عانوا من قلق كبير بسبب ندرة الماء وتعاقب فترات الجفاف، فالنساء خاصة يقضين حوالي ثلاث ساعات في الطريق قصد جلب الماء علما أن مياه الآبار نفسها تزيد ندرة نظرا لقلة التساقطات المطرية (أقل من 112 ملم سنويا) مما جعل الماء مصدر قلق كبير من أجل البقاء على الحياة خاصة في الفصل الجاف سواء بالنسبة للإنسان أو الماشية أو البيئة عموما.
وزاد صاحب المشروع "نتيجة لذلك أصبح عدد كبير من العائلات يهاجر نحو المدينة، وتباع المواشي، ويضيع ويتلاشى الإرث الثقافي والعادات والتقاليد".
واسترسل الدكتور الدرهم "اليوم مع توصيل المياه إلى المنازل يمكن قياس تأثير ذلك بمؤشرات ثابتة، المستفيدون الرئيسيون من المشروع هم - سكان أيت باعمران خاصة النساء والشابات بالخصوص (16 دوار)، بمجموع 1000 مقيم دائم ، بالإضافة إلى السكان المهاجرين الذين يعودون في الصيف خلال فترة جني ثمار الأركان والكمثرى الشائك (المحيط الإيكولوجي ).
الضباب مورد مستدام
وكشف المتحدث، أن الضباب نفسه صار موردا مستداما بفضل البحث و التطوير الذي يقوم به شركائهم، وبفضل التواصل والالتزام الأكاديمي أيضا، الأطفال باتوا يستفيدون من تعليم مبتكر ومنظم ضمن مدرسة "الماء والواحة"، ثم النساء والرجال المشاركون في مزرعة "أكدال إد عاشور" ، وهي مبادرة تعليمية حول الزراعة البيئية بالمناطق القاحلة وشبه القاحلة.
وتعتمد تقنية تعتمد حصد الضباب في شبابيك مصنوعة من مادة '' البروليبروبيلان المعروفة بقدرتها على استشفاف ما يحمله الضباب من رطوبة، وتجميعها في خزانات ثم تصفيتها وتزويدها بالمعادن و الأملاح اللازمة حتي تصبح صالحة للاستخدام في الري، والشرب، والطهي
وفي هذا السياق، تقول جميلة بركاش، من مؤسسي ''دار سي حماد'' أن تقنية عمل مشروع حصد الضباب المعتمدة شبيهة بشبكة كرة الطائرة، وتوجد مبللة صباح كل يوم نتيجة رطوبة الجو المتجمعة عليها.
وحسب القائمين على المشروع فإن بعض سكان القرى، اعتبروا "حصد الضباب" أمر خيالي ولا يمكن توقعه، ذلك أنهم لم يصدقوا أن الضباب الذي يغطي جبال المنطقة سيكون مصدرا مهما للماء.
وأفادت بركاش، أن إنشاء مشروع حصاد الضباب يتطلب دراسة الطقس وتصنيف تضاريس المنطقة وإشراك المجتمع المحلي لنجاح الفترة التجريبية.
يشار إلى أن هذا المشروع البيئي مكن من تزويد سكان المنطقة بالماء الصالح للشرب، مقابل مساهمات رمزية للحصول على عداد يعمل بالبطاقات المدفوعة مسبقا، علما أن المشروع استفاد منه حوالي 16 دوارا وتجمعا سكنيا بمنطقة أملو، مما يعني تغطية حاجات مئات الأشخاص في هذه المنطقة من المياه، وإنهاء معاناة النساء والأطفال في السير لمسافات طويلة لإحضار الماء من الآبار، وبالتالي عودة الأطفال إلى المدارس بدلا من مساعدة أهاليهم في رحلة البحث عن الماء.
حصد الجوائز
يذكر أن مشروع بوتمزكيدا، شرب ماء الضباب حاز على العديد من الجوائز والامتيازات منها أنه في عام 2019، نال جائزة فئة المياه من جائزة الطاقة العالمية، إسبو فنلندا والتأهل للتصفيات النهائية ل"ليف توكيدر" في كوريا الجنوبية - إكسبو دبي 2020 ، قدم معرض دبي العالمي دعما ماليا لتمديد مشروع الضباب.
كما حاز على جائزة مؤسسة السويز بفرنسا، الولوج للخدمات الأساسية، وجائزة الحسن الثاني للبيئة من طرف كتابة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة بالمغرب، جائزة التميز ، ألجل "مبادرات لصالح المرأة القروية"، من وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية وغيرها من الحوائز.
aXA6IDE4LjIyMS44LjEyNiA=
جزيرة ام اند امز