11 سبتمبر.. قصة أخطر 8 ساعات بتاريخ أمريكا

لم يكن الـ11 من سبتمبر/ أيلول ٢٠٠١، يوما عاديا في الولايات المتحدة، وتحول إلى لحظة مفصلية غيّرت وجه العالم، وحفرت لقطاته في التاريخ.
ووفقا لتقرير مطول لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن الهجوم على برجي التجارة في نيويورك والبنتاغون في واشنطن، لم يكن مجرد عمل إرهابي صادم، بل كشف أيضًا عن ارتباك غير مسبوق في رأس هرم السلطة الأمريكية.
فبينما كانت الأنظار مشدودة إلى الدخان المتصاعد من قلب مانهاتن، انطلقت في الأجواء رحلة غامضة لطائرة الرئاسة، رحلة استمرت ثماني ساعات لتشكل مرآة لمزيج من الخوف والارتباك ومحاولات السيطرة على مشهد لم يسبق أن واجهته البلاد.
من مقاعد الدراسة إلى أجواء الأزمة
بدأت اللحظة الحرجة بينما كان الرئيس جورج بوش الابن، في زيارة إلى مدرسة للأطفال بولاية فلوريدا.
دقائق قليلة فصلت بين الأجواء البريئة داخل الفصل الدراسي وبين خبر عاجل يفيد بأن طائرة اصطدمت بمبنى في نيويورك.
لم يطل الوقت حتى اتضح أن الأمر ليس حادثا عرضيا، بل هجوما منظما استهدف رموز القوة الأمريكية. ومع تواتر الأخبار، نُقل الرئيس على عجل إلى الطائرة الرئاسية التي تحولت في لحظة إلى غرفة عمليات طائرة.
لكن ما كان يفترض أن يكون رمزًا للسيادة والسيطرة تحول إلى مسرح للحيرة: هل يجب العودة فورًا إلى واشنطن لمخاطبة الأمة، أم الابتعاد عن العاصمة خشية أن تكون الهدف التالي؟
سماء بلا أمان
منذ إقلاع الطائرة من فلوريدا، ساد شعور بأن السماء الأمريكية لم تعد آمنة. فرُصدت اتصالات مجهولة وأُبلغ الطاقم بأن طائرة مدنية أخرى قد تكون متجهة نحو البيت الأبيض.
ووسط هذه الفوضى، صدرت أوامر متضاربة بين الاستمرار في التحليق، والهبوط في قواعد عسكرية بعيدة، أو التوجه إلى مواقع محصنة.
كانت الطائرة في ذلك الوقت هدفا محتملا، بل وحتى رمزا مغريا لمنفذي الهجمات. وبدا أن بعض العسكريين يفضلون إبقاء الرئيس بعيدا عن الأضواء، بينما كان هو يميل إلى العودة بسرعة إلى العاصمة ليظهر بمظهر القائد المسيطر.
ووفق المجلة، عكس هذا التباين، التوتر بين مقتضيات الأمن ومتطلبات الرمزية السياسية.
محطة لويزيانا: الملاذ المؤقت
بعد رحلة قصيرة مشوبة بالقلق، هبطت الطائرة في قاعدة عسكرية بولاية لويزيانا، ونُقل الرئيس إلى مركز محصن تحت الأرض، حيث جلس محاطًا بشاشات تبث صور الانهيار والدمار من نيويورك.
كانت تلك اللحظة الأولى التي بدت فيها السلطة التنفيذية معزولة عن الشعب، بعيدة عن الكاميرات ووسط جنود يحرسون الأبواب بصرامة.
لكن الملاذ المؤقت لم يحل المعضلة. فالبقاء في لويزيانا بدا وكأنه هروب من المواجهة، في حين كان المواطنون ينتظرون كلمات طمأنة وتوجيه من قائدهم.
في تلك الأثناء، كانت واشنطن نفسها في حالة ذعر، إذ أُخلي البيت الأبيض وأُخلي الكونغرس، فيما كان آلاف الموظفين يركضون في الشوارع خشية هجوم جديد.
محطة نبراسكا
لم يطل المكوث في الجنوب، بعد ساعات قليلة أقلعت الطائرة مجددا، هذه المرة إلى قلب البلاد، حيث يقع أحد أكثر المراكز العسكرية تحصينا.
في القبو العميق لذلك المجمع المحصن، جرى عقد اجتماعات عبر الفيديو مع قادة الجيش ومسؤولي الأمن.
وكان المشهد صعبا: قائد الدولة الأكثر قوة في العالم يجلس بعد على آلاف الكيلومترات من عاصمته، متواصلا عبر شاشات مع فريقه المتناثر، بينما يترقب المواطنون كلمة تطمئنهم.
وفي الخارج، كانت وسائل الإعلام تلتقط كل إشارة عن مكان وجوده، ما أطلق موجة تكهنات وشائعات زادت من حدة القلق العام.
معضلة القرار
خلال تلك الساعات، احتدم الجدل بين الفريق الأمني للرئيس. فالبعض أصر على ضرورة إبقائه بعيدا عن أي تهديد محتمل، معتبرين أن بقاءه على قيد الحياة أولوية قصوى.
فيما رأى آخرون أن غيابه عن واشنطن يترك فراغا خطيرا في صورة القيادة، في وقت كان المواطنون والعالم يترقبون إشارة واضحة عن ثبات الدولة.
في هذه الأثناء، كانت الطائرة تحلق في سماء غير مألوفة، محاطة بطائرات مقاتلة جاهزة للتدخل عند الضرورة. حتى الهواء بدا مشبعا بالريبة، فقد وردت تقارير لاحقة عن اتصالات مشبوهة وإشارات جعلت الطاقم يعتقد أحيانا أن الطائرة قد تكون مستهدفة.
العودة إلى واشنطن
مع مرور الوقت، بدأ يتضح أن الخطر المباشر قد انحسر، وأن الطائرات المختطفة قد نفذت مهامها التدميرية.
عندها فقط اتخذ القرار بالعودة إلى العاصمة. كان ذلك القرار أكثر من مجرد خطوة لوجستية؛ كان إعلانا رمزيا بأن الدولة لن تُدار من المنفى، وأن مركز السلطة سيبقى في البيت الأبيض مهما كانت الظروف.
وهبطت الطائرة أخيرا مع حلول المساء، وكان الذعر لا يزال يسيطر على المشهد، لكن عودة القائد إلى العاصمة حملت رسالة إلى الداخل والخارج بأن النظام السياسي لا يزال قائما، وأن البلاد رغم جراحها قادرة على الاستمرار.
الخطاب
مع حلول الليل، جلس الرئيس في المكتب البيضاوي ليلقي كلمة إلى الأمة. الكلمة لم تكن طويلة، لكنها حملت نبرة صارمة: الولايات المتحدة تحت الهجوم، والرد سيكون واسع النطاق.
كان ذلك الخطاب بمثابة بداية مرحلة جديدة، ليس فقط في السياسة الأمريكية، بل في شكل النظام الدولي.
ثماني ساعات من التحليق والانتقال بين القواعد لم تكن مجرد تفاصيل لوجستية، بل رسمت صورة أعمق عن هشاشة القوة في مواجهة المفاجأة. إذ أظهرت أن أقوى دولة في العالم يمكن أن تعيش لحظة ارتباك، وأن القرارات المصيرية قد تُتخذ تحت ضغط الخوف والشك.
كما عكست تلك الرحلة التوتر بين متطلبات الأمن والحاجة إلى القيادة العلنية. فالابتعاد عن واشنطن وفّر للرئيس حماية مادية، لكنه أضعف رمزية موقعه كقائد حاضر في قلب المعركة.
وفي المقابل، كانت العودة إلى العاصمة رغم المخاطر خطوة محفوفة بالمخاوف، لكنها أعادت بعض الثقة إلى الجمهور.
لم يكن ما جرى في تلك الساعات الثماني مجرد تفاصيل عابرة، بل شكل الأساس لقرارات أكبر ستأتي لاحقًا. فالشعور بالعجز والتهديد الذي عاشه الرئيس وفريقه داخل الطائرة، وسط شائعات عن هجمات جديدة وغموض حول هوية العدو، أسهم في دفع البلاد نحو مسار أكثر تشددًا.
بعد أسابيع قليلة، بدأت الحرب في أفغانستان، ومعها انطلق ما عُرف لاحقًا بـ"الحرب على الإرهاب"، التي أعادت تشكيل العلاقات الدولية لعقدين كاملين.