عملة "إيكو" الموحدة.. الفرص والتحديات
منذ إعلان "إيكو" عملة موحدة لغرب أفريقيا.. هناك ثورة توقعات تكتنف تلك الخطوة، وغيرها من الخطوات الداعمة للعمل الاندماجي الأفريقي
صدَّقت الدول الأعضاء بالمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (Economic Community of West African States ECOWAS) في 29 من يونيو/حزيران المنقضي على إصدار "إيكو ECO" لتكون عملة موحدة لدول غرب أفريقيا، يبدأ تداولها من يناير/كانون الأول لعام 2020، وذلك إبَّان أعمال القمة الـ55 لرؤساء دول وحكومات إيكواس، المنعقدة في العاصمة النيجيرية أبوجا، واعْتُبِرت تلك الخطوة تتويجا لجهود بُذِلت على مدار عقود منذ أن تأسست إيكواس في منتصف سبعينيات القرن الماضي لأجل تعزيز الاندماج الاقتصادي بين دول الإقليم.
ومنذ إعلان "إيكو" عملة موحدة لغرب أفريقيا وهناك ثورة توقعات تكتنف تلك الخطوة، وغيرها من الخطوات الداعمة للعمل الاندماجي الأفريقي على المستوى الاقتصادي، كإدخال اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية (African Continental Free Trade Agreement AFCFTA) حيز التنفيذ خلال أعمال القمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي التي شهدتها مدينة نيامي عاصمة النيجر، وإعلان الأول من يوليو/تموز 2020 موعدا لبدء سريانها.
ويشير الواقع العملي إلى عقبات قد تواجه "إيكو"، شأنها في ذلك شأن أي إجراء أو ترتيب يستهدف تعزيز العملية الاندماجية على المستوى القاري أو الإقليمي الفرعي.
إصدار "إيكو": دوافع ومكاسب متوقعة
يأتي على رأس الدوافع التي حفزت دول إيكواس للاتجاه نحو إصدار عملة موحدة استمرار تداول عملة "فرنك س ف ا" أو الفرنك الأفريقي CFA franc في 8 دول أعضاء بالإكواس، الدول الفرانكفونية، وهي بنين، بوركينافاسو، كوت ديفوار، مالي، النيجر، السنغال، توجو، غينيا بيساو، الرأس الأخضر، بينما تستخدم بقية الدول عملاتها الخاصة.
ودائمًا ما يُنْظر لـ"فرنك س ف ا" على أنه عملة كولونيالية "استعمارية"، إذ أنشأته فرنسا إبَّان استعمارها لتلك الدول، وربطت تلك العملة المستحدثة بالفرنك الفرنسي وقتئذ، وأضحى الفرنك الأفريقي اليوم مرتبطا باليورو، وتهيمن فرنسا على السياسات النقدية المرتبطة بالفرنك سيفا، وتحتفظ الخزانة الفرنسية بنحو 50% من احتياطيات النقد الأجنبي للدول الفرانكفونية بدعوى ضمان استقرار قيمة العملة.
وتسعى دول إيكواس إلى التخلص من القيود الفرنسية المفروضة على عملتها، أو بالأحرى الوصاية الفرنسية التي لا تزال مفروضة عليها حتى يومنا هذا، بعد أكثر من 7 عقود على ربط العملة الأفريقية بالعملة الفرنسية، وتحديدا منذ عام 1945، ولعل هذا الأمر قد دفع إلى خروج مظاهرات شبابية عدة في عدد من العواصم الفرانكفونية أبرزها كوتونو عاصمة بنين، وداكار العاصمة السنغالية، واجادوجو عاصمة بوركينافاسو، في سبتمبر/أيلول لعام 2017 للمطالبة بفك الارتباط بين الفرنك سيفا واليورو كي تصبح الدول الأفريقية أكثر استقلالية.
وإلى جانب التحرر من التبعية المالية والنقدية لفرنسا بفك الارتباط بين الفرنك الأفريقي واليويو ثمة مكاسب عدة يتوقع تحقيقها كنتاج لسريان عملة "إيكو" الموحدة لدى دول إيكواس، لعل من بينها تمهيد السبيل لإنشاء سوق إقليمية مشتركة، فرؤية إيكواس 2020: نحو جماعة تتسم بالديمقراطية والرخاء ECOWAS Vision 2020: Towards A Democratic and Prosperous Community الصادرة في يونيو/حزيران لعام 2010، ضمت في طياتها على عدد من الإجراءات المبتغى تحقيقها بحلول عام 2020، فيما يتعلق بسياسات التكامل الاقتصادي والنقدي بين دول المجموعة أبرزها السوق الإقليمية المشتركة.
فالعملة الموحدة والسياسات النقدية المشتركة تعضدان من إمكانية قيام سوق إقليمية، حيث تتمتع عمليات تدفق السلع والبضائع وممارسة الأعمال التجارية بهامش كبير من الحرية والمرونة والفاعلية عبر دول إقليم غرب أفريقيا.
فضلا عن ذلك، يرى أنصار العملة الموحدة "إيكو" أن سريانها يفضي إلى تسهيل التبادل التجاري بين دول الإقليم، وتقليل تكلفة للمبادلات أو المعاملات التجارية، وكل هذا يفسح المجال أمام إنعاش سوق غرب أفريقيا التي يُقدَّر حجمها بنحو 385 مليون نسمة، خصوصا أنَّ هناك بنية اقتصادية ونقدية إقليمية داعمة لعملة "إيكو"، أبرزها "المنطقة النقدية لغرب أفريقيا"، وهي مجموعة فرعية داخل الإيكواس تتضمن 6 دول ألا وهي نيجيريا، وغانا، وجامبيا، وغينيا، وسيراليون، وليبيريا، والتي تأسست بالتزامن مع إطلاق جواز سفر موحد ECOWAS Passport بنهاية عام 2000، أضِفْ إلى ذلك تأسيس المعهد النقدي لغرب أفريقيا في عام 2001، ومقره أكرا عاصمة غانا، كي يكون بمثابة منظمة مؤقتة تمهيدا لإنشاء البنك المركزي لغرب أفريقيا. وكلها مؤسسات مالية ونقدية تدعم، جنبا إلى جنب مع عملة إيكو، سوقا إقليمية لغرب أفريقيا.
عقبات على الطريق
رغم الآمال العريضة التي تحدو إصدار العملة الموحَّدة لإيكواس إلا أن هناك عقبات عديدة قد تعرقل سريان العملة بدءا من يناير المقبل، وتقبع المخاوف من الهيمنة النيجيرية على السياسات النقدية المرتبطة بالعملة "إيكو" في صدارة المشهد، إذ يمثل الناتج المحلي الإجمالي GDP لنيجيريا قرابة ثلثي الناتج المحلي الإجمالي لإيكواس، والبعض يشبه الثقل النيجيري داخل مجموعة غرب أفريقيا بثقل ألمانيا داخل منطقة اليورو.
ويطرح الخبراء الاقتصاديون في سياق الحديث عن التحديات التي تواجه عملة "إيكو" تساؤلا مهما: ما مصير الدول الفرانكفونية عقب إيقاف تداول فرنك سيفا وسريان العملة الموحَّدة؟ فالبعض يرى أن تداول فرنك سيفا هو الذي قاد قاطرة النمو الاقتصادي في بعض دول الإقليم كدولة كوت ديفوار على سبيل المثال، لتدفق الاستثمارات على الدولة الأفريقية لانخفاض سعر الفائدة واستقرار عملة فرنك سيفا الذي تكفله السياسات النقدية الفرنسية، ولذا تبدي الدول الفرانكفونية قدرا من التردد إزاء تداول عملة إيكو، خاصة أن بقية دول إيكواس التي لديها عملاتها الخاصة بها تتسم بارتفاع معدلات كل من التضخم والفائدة، بيْدَ أن الرغبة في التحرر من الوصاية الفرنسية أقوى بكثير من أية تأثيرات سلبية تنجم عن وقف تداول فرنك سيفا من قبيل عدم الاستقرار النقدي وغيرها.
وبالإضافة إلى التحديات سالفة الذكر، هناك عراقيل مرتبطة بالمعايير الواجب توافرها قبيل سريان "إيكو" في يناير المقبل، ولعل من بين هذه المعايير التي يجب أن تحققها الدول في سبيل الانضمام إلى منطقة إيكو ألا يتجاوز عجز الموازنة الـ3% بأية حال، وأن يكون متوسط معدل التضخم السنوي أقل من 10%، وألا يتجاوز معدل تمويل البنك المركزي لعجز الموازنة نسبة 10% من إجمالي العائدات الضريبية للسنة المالية السابقة.
دولة واحدة ينطبق عليها الشروط
ولم تستطع أي دولة في إيكواس إنجاز هذه المعايير سوى دولة واحدة فقط وهي ليبيريا في عام 2016، والأشد خطورة من ذلك أنه لا توجد دولة أخرى باستثناء ليبيريا استطاعت أن تحقق معيارا واحدا على الأقل من هذه المعايير، ولكن إيكواس اقترحت في هذا الصدد أن يكون انضمام الدول لمنطقة إيكو أو بمعنى آخر بدء تداول عملة إيكو في الدولة على شكل تدريجي، بمعنى أن تنضم الدول التي حققت هذه المعايير تباعا.
ويبقى الرهان على الإرادة السياسية الجادة فيما يتعلق بتداول عملة "إيكو" الموحدة على غرار منطقة اليورو، لأن توافر الإرادة السياسية التي تدرك أهمية إعطاء دفعة للعمل الاندماجي على المستويين القاري والإقليمي الفرعي، كمنهاج عمل يحد كثيرا من التأثيرات السلبية للعولمة على المستوى الاقتصادي والمنافسة الشرسة وغير المتكافئة بين الدول المتقدمة اقتصاديا ودول العالم الثالث، وفي القلب منها الدول الأفريقية، وتقبل بسيادة "فوق" وطنية هي الركيزة الأهم في إتمام أي إجراء اندماجي، فضلًا عن ضرورة وجود ضمانات تتعلق بالتوزيع العادل لمكاسب العمل الاندماجي، لأن شعور الدولة بوجود أعباء تثقل كاهلها كنتاج لوجودها في أي تجمع قاري أو إقليمي لن يدفعها بأية حال لتقديم تنازلات أو استمرار التزامها الإقليمي تجاه التجمع، فضلا عن ذلك لا بد من تبني سياسات اقتصادية ونقدية مرنة وفعَّالة للتعامل مع أية تأثيرات تواجه الدول إثر تحولها للإيكو، خصوصا الدول الفرانكفونية.
aXA6IDMuMjIuMjQ5LjIyOSA= جزيرة ام اند امز