هل يستطيع الغرب إزاحة روسيا من آسيا الوسطى؟
تاريخيًا، ظلت روسيا القوة الأكثر تأثيرًا في آسيا الوسطى منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، لكن حرب أوكرانيا أحدثت تغييرات في توازن القوى.
ورغم انشغال موسكو بحرب أوكرانيا وتعرضها لعقوبات غربية واسعة، فإنها لم تتخلّ عن نفوذها التقليدي في جمهوريات آسيا الوسطى الخمس وهي كازاخستان، وأوزبكستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان التي تتبع في المقابل سياسات خارجية متعددة الاتجاهات تمنحها هامش مناورة بين القوى الكبرى.
وفي حين تسعى حكومات الإقليم إلى تخفيف اعتمادها على موسكو، فإنها لا تقطع علاقتها بها، وإنما تواصل تعاونها العميق معها في الكثير من المجالات وهو ما يجعل جهود الغرب لإزاحة روسيا من آسيا الوسطى محفوفة بالتحديات، وفقا لما ذكره موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي.
وتتمتع روسيا بروابط تاريخية وثقافية ولغوية واقتصادية قوية مع المنطقة، كما أنها الضامن الأمني الرئيسي عبر قواعدها العسكرية في كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، إضافة إلى دورها القيادي في منظمة "معاهدة الأمن الجماعي".
وفي الوقت نفسه، تستفيد روسيا من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يضم أيضا كازاخستان وقيرغيزستان، وتشارك فيه أوزبكستان بصفة مراقب مما يسهل الاندماج الاقتصادي كما يسهل وجود الشركات الروسية في المنطقة.
وتظل "رابطة الدول المستقلة" إطارًا إضافيًا يربط الجمهوريات الخمس بروسيا عبر برامج تعاون اقتصادي وثقافي وإنساني.
لكن حرب أوكرانيا أضعفت صورة روسيا دوليًا وقيّدت قدرتها على تقديم الدعم الاقتصادي، بحسب "ناشيونال إنترست" التي اعتبرت في الوقت نفسه، أن الحرب جعلت موسكو في الوقت نفسه أكثر اعتمادًا على آسيا الوسطى التي أصبحت بعد إغلاق الأسواق الغربية منفذًا مهمًا للالتفاف على العقوبات وإعادة توجيه التجارة.
ورغم ذلك، لم تؤيد أي دولة في آسيا الوسطى روسيا في الحرب، ولم تعترف أي منها بجمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من قبل موسكو في أوكرانيا،
كما أظهرت استطلاعات الرأي، خصوصًا في كازاخستان، رفضًا شعبيًا واسعًا للحرب.
ومع ذلك، نجحت حكومات المنطقة في خلق ما يسميه الخبراء "حيز توازن"؛ فهي لا تنحاز ضد روسيا أو لصفها، وإنما تحافظ على سياسة عدم الانحياز.
اقتصاديًا، استفادت دول آسيا الوسطى من حاجة روسيا إلى شركاء تجاريين، مما منحها قدرة تفاوضية أكبر مع سعي موسكو اليوم إلى الاعتماد على خطوط لوجستية تمر بالمنطقة للوصول إلى أسواق آسيا والشرق الأوسط؛ الأمر الذي عزز مكانة دول المنطقة في التجارة الإقليمية.
أما الغرب، فقد كثّف حضوره بشكل ملحوظ منذ 2023 فأصبح الاتحاد الأوروبي المستثمر الأول في آسيا الوسطى.
كما أصبح شريكًا تجاريًا رئيسيًا لكازاخستان ويراهن على ممر قزوين لتقليل الاعتماد على الطرق الروسية والبحرية.
وشكلت قمة "سمرقند 2025" بين الاتحاد الأوروبي والدول الخمس في آسيا الوسطى نقلة نوعية، حيث أعلن التكتل حزمة استثمارات بقيمة 12 مليار يورو في الطاقة المتجددة واللوجستيات والمعادن الحيوية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2025، عقدت واشنطن أول قمة (5+1) في البيت الأبيض مع زعماء آسيا الوسطى والتي ركزت على المعادن الاستراتيجية، التجارة، والتكنولوجيا، والنقل.
كما وقعت الولايات المتحدة صفقات كبيرة، أبرزها اتفاق بـ 8 مليارات دولار بين شركة "بوينغ" وأوزبكستان و اتفاق بـ 4.2 مليارات بين شركة "ويب تك" وكازاخستان.
من جانبه، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انضمام كازاخستان إلى اتفاقات أبراهام للسلام، في خطوة رمزية تهدف لتوسيع النفوذ السياسي الأمريكي.
ومع ذلك، تتبع الإدارة الأمريكية نهجًا براغماتيًا وتجاريًا أكثر منه سياسيًا، حيث تتجنب الضغط في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من التحركات الغربية، تتحرك موسكو بقوة لمنع خسارة موقعها.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2025، عقدت روسيا "القمة الثانية لروسيا وآسيا الوسطى" في دوشنبه، مؤكدة التزامها بتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية.
وخلال القمة، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ارتفاع التجارة مع المنطقة إلى 45 مليار دولار في 2024، لكنه اعتبر أنها أقل من طموحاته، مشددًا على ضرورة توسيع التكامل.
كما طرح بوتين خطابًا أيديولوجيًا يستند إلى "التعددية القطبية" و"السيادة الحضارية"، ويهدف لجعل أوراسيا مركزًا لنظام عالمي جديد بعيدًا عن الغرب لكن هذه الرؤية تواجه تحديات، إذ أصبحت دول المنطقة أكثر استقلالية وأقل استعدادًا للاصطفاف الكامل خلف روسيا.
ورغم الزخم الأوروبي والأمريكي، يظل نفوذ الغرب محدودًا في آسيا الوسطى لأسباب تتعلق بالجغرافيا خاصة وأن المنطقة محاطة بروسيا والصين، بينما تبقى أوروبا والولايات المتحدة بعيدة جغرافيًا، وفق التقرير.
بالإضافة إلى ذلك هناك قضايا الأمن، حيث تعتمد جمهوريات آسيا الوسطى على روسيا لمواجهة تهديدات قادمة من أفغانستان، وخاصة خطر داعش–خراسان.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNCA= جزيرة ام اند امز