المستوطنون يخنقون الضفة.. عنف يستشري بصمت وتحذير من «خريطة» جديدة
تحرك آلة الحرب في غزة، عنفا موازيا من المستوطنين الإسرائيليين في بلدات الضفة الغربية تتزايد وتيرته مع تكثيف العمليات العسكرية بالقطاع.
يقول معين الضميدي، رئيس بلدية حوارة في شمال الضفة الغربية، لـ"العين الإخبارية"، إن المستوطنين زادوا من اعتداءاتهم على البلدة منذ بدء الحرب على غزة، في السابع من الشهر الماضي.
وبلدة حوارة ليست الوحيدة التي تعاني في الضفة الغربية إثر تصاعد عنف المستوطنين بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب.
إذ تقول منظمة "ييش دين" اليسارية الإسرائيلية التي ترصد اعتداءات المستوطنين، إنه "منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تم طرد أكثر من 850 شخصا بالغا وطفلا قسرا من المنطقة من منازلهم إثر عنف المستوطنين".
وقامت المنظمة نفسها بتوثيق 172 حادثة عنف من قبل المستوطنين في 84 بلدة وقرية فلسطينية في الضفة الغربية.
وتشير المنظمة إلى أن هذه البيانات لا تعكس جميع الأحداث، بل فقط تلك التي نجحت في توثيقها.
وفي هذا الصدد، يوضح غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية، لـ"العين الإخبارية"، أن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في تصاعد.
انتقادات دولية
وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت انتقادات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لعنف المستوطنين، وطالبوا بوقف الاعتداءات، خشية اندلاع صراع جديد بالضفة الغربية.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، الأسبوع الماضي: "لقد أدى تصاعد إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية إلى سقوط أعداد كبيرة جدا من الضحايا المدنيين وإجبار سكان بعض التجمعات الفلسطينية على ترك منازلهم".
وحذر الاتحاد الأوروبي من أن "الوضع قد يخرج في لحظة عن السيطرة ويسبب معاناة لا توصف للمجتمعات المحلية"، مشددا على "الحاجة إلى تدابير عاجلة".
وأضاف "ومن واجب إسرائيل حماية المدنيين في الضفة الغربية من عنف المستوطنين المتطرفين من خلال تدخل الجيش، وضمان محاسبة الجناة وهذا التزام قانوني يجب الوفاء به".
ولفت إلى أن عنف المستوطنين بالضفة الغربية "يأتي بالتزامن مع الوضع المأساوي بالفعل في غزة، مما يزيد من خطر التصعيد الخطير للصراع، وهو ما يجب تجنبه بأي ثمن".
ويوم الإثنين، أثار الرئيس الأمريكي جو بايدن عنف المستوطنين بالضفة الغربية في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وقال البيت الأبيض في بيان تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، "تطرق الرئيس بايدن إلى الوضع في الضفة الغربية وضرورة محاسبة المستوطنين المتطرفين على أعمال العنف".
غير أن الأوضاع على الأرض لم تتحسن منذ ذلك الحين، وإنما ازدادت سوءا.
ويقول معين الضميدي، رئيس بلدية حوارة لـ"العين الإخبارية"، "اعتداءات المستوطنين علينا يومية، فقد أغلق الاحتلال حوارة منذ 33 يوما بسبب رغبة المستوطنين في منع أصحاب المحال التجارية من فتح محالهم على الشارع الرئيسي وأغلقوا الطرق المؤدية إلى البلدة".
وأضاف "اعتداءات المستوطنين مستمرة، إذ يقومون بإطلاق النار على المواطنين ويضرمون النيران في المنازل والمحال التجارية"، مشيرا إلى أن "المستوطنين يحاولون فرض واقع جديد عبر الترحيل".
ومضى قائلا "يطالبون بترحيل أصحاب المحال التجارية، إنهم يحاولون ترحيلنا وهي بالفعل عملية تهجير"، موضحا "طالب المستوطنون بتهجير المحال التجارية وإغلاق الشارع العام بوجه الفلسطينيين وبالفعل تم إغلاقه قبل حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما زال مغلقا".
"لا يوجد تغيير"
ويعتبر طريق حوارة الممر الرئيس للفلسطينيين من جنوب ووسط الضفة الغربية إلى شمالها، ولكن يستخدمه المستوطنون أيضا للوصول إلى المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية.
وفي شارع حوارة، المئات من المحال التجارية.
وفي هذا السياق، أشار الضميدي إلى أنه "بعد الدعوات الأمريكية والأوروبية لوقف العنف، لا يوجد تغيير نهائيا ونحن على تواصل مع الدبلوماسيين الأجانب ونطالبهم بنقل رسالتنا إلى حكوماتهم للضغط على إسرائيل".
وأضاف: "حوارة مغلقة منذ 33 يوما بسبب المستوطنين ولا تعمل المخابز ولا محطات الوقود ولا محال المواد التموينية، والمركز الطبي الوحيد في البلدة لا يستطيع أحد الوصول إليه والعيادات الطبية مغلقة".
الضميدي قال أيضا "هذا هو عنف المستوطنين ونحن ندفع الثمن، علما بأن عدد سكان حوارة 7500 نسمة فيما يصل الموجودون فيها في وقت الذروة إلى حوالي 30-35 ألفا بسبب المحال التجارية والموظفين".
تقطيع أوصال
وعمد الجيش الإسرائيلي منذ بدء الحرب إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية من خلال الحواجز، ولكن هذا الأمر ساهم في زيادة هجمات المستوطنين.
وطالب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بإقامة مناطق عازلة في محيط المستوطنات والطرق التي يستخدمها المستوطنون بالضفة الغربية، حيث يُمنع الفلسطينيون من الدخول إليها حتى لغرض الزراعة.
وأكد غسان دغلس، مسؤول ملف الاستيطان في شمالي الضفة الغربية، لـ"العين الإخبارية" أن "الاعتداءات تزيد رغم التحذيرات الأمريكية والأوروبية، فهم (المستوطنون) مستمرون واعتداءاتهم تزيد على الأرض، وبصراحة فإن الأمور بدأت تتفاقم أكثر فأكثر".
وبحسب دغلس، فإنه "لا توجد خطوات للجم عنف المستوطنين، وعلى العكس فإننا نلاحظ أن الجيش متواطئ معهم".
وحذر من أنه "إذا لم تكن هناك خطوات ملموسة بتحذير إسرائيل من عواقب فإن عنف المستوطنين لن يتوقف"، مستطردا "نحن نريد أفعالا ولا نريد أقوالا من المجتمع الدولي".
إجبار على الرحيل
وكانت الهيئة العامة للبث الإسرائيلي أوردت، اليوم الخميس، أن "رؤساء أجهزة الاستخبارات يحذرون من تفاقم الوضع في الضفة الغربية ومن مغبة جبهة إضافية بها".
لكن وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير اعترض على تلك الانتقادات.
وقال في بيان، الخميس، إن الانتقادات الداخلية والخارجية لـ"عنف المستوطنين" "يجب أن تختفي تماماً من الخطاب العام. لقد حان الوقت لتغيير المفهوم حول هذا أيضا".
ويشير بن غفير بذلك إلى إحداث تغيير على أرض الواقع في الضفة الغربية. لكن دغلس نوّه بأن التغيير يجري بالفعل حيث يتم إجبار قرى بأكملها على الرحيل.
وقال دغلس "يقوم المستوطنون بإغلاق الشوارع وإطلاق النار على المواطنين، حيث تم قتل 7 مواطنين منذ بدء الحرب".
وأضاف "عنف المستوطنين يجبر بعض السكان على الرحيل في عدد من القرى والخِرب الصغيرة في وسط وجنوبي الضفة الغربية".
ويرى درور إتكس، مدير ومؤسس مجموعة مراقبة الاستيطان "كيرم نافوت" أن المستوطنين يستخدمون غطاء الحرب "لمحاولة إعادة رسم الخريطة الديموغرافية للضفة الغربية".
ويقول في حديث لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الفكرة هي طرد الفلسطينيين مما يعرف بالمنطقة (ج)، وهي المناطق النائية الريفية في الأراضي المحتلة، وحصرهم في جيوب في المنطقة، والتي تشمل المراكز الحضرية.
والجهود المبذولة للضغط على بعض الفلسطينيين لمغادرة المنطقة (ج) ليست جديدة، لكن إتكس لفت إلى أن بعض المستوطنين والمسؤولين الإسرائيليين يرون في الحرب بين إسرائيل وحماس فرصة لتوسيع المبادرة من خلال تكثيف العنف وترهيب الفلسطينيين.
وتكاثرت الدعوات المطالبة بالطرد الجماعي للفلسطينيين من منازلهم في كل من الضفة الغربية وغزة منذ بدء الحرب مع حماس قبل أكثر من شهر، فيما تقول جماعات حقوق الإنسان إنها عملية تعميم الترحيل في الخطاب الإسرائيلي.
وفي أحد الأمثلة على ذلك، اقترحت وزارة الاستخبارات الإسرائيلية الترحيل الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، كجزء من ورقة موقف بشأن خيارات الحرب. وهو المخطط الذي رفضته القاهرة وشددت مرارا وتكرارا على موقفها الرافض لتصفية القضية الفلسطينية.
وليس للوزارة أي سلطة على سياسة الاستخبارات أو الوكالات الحكومية الأخرى، وليس هناك ما يشير إلى أن الورقة نوقشت في منتديات حكومية رفيعة المستوى.
لكن وجود مثل هذه الوثيقة في حد ذاته يبدو وكأنه يعكس تفكير بعض الجيوب على الأقل داخل الحكومة، بحسب "فورين بوليسي".
aXA6IDMuMTQxLjIwMS45NSA= جزيرة ام اند امز