التنظيمات المتطرفة تظهر بشكل مفاجئ في زمان ومكان غير متوقعَين معتمدة على عامل الصدمة وعنصر المفاجأة
جرت عادة التنظيمات المتطرفة أن تظهر بشكل مفاجئ في زمان ومكان غير متوقعَين معتمدة على عامل الصدمة وعنصر المفاجأة للاستفادة من الإرباك الذي يحصل في المنطقة التي تظهر بها، لتثبيت قواعد تمركزها ريثما يتم الاستعداد لمواجهتها.
نستطيع القول إنّه إذا ما جرت هذه المعركة بمنهجية وضوابط مهنية عالية فإنها ستقطع الطريق على ظهور مثل هذه التنظيمات وتؤدي إلى تطوير عمل المؤسسات الأمنية لتواكب وتسبق بخطوة دائماً تحركات هذه التنظيمات.
ولكن هذا لا يعني أن التنظيمات المتطرفة تظهر من العدم، بل تظهر بترتيبات واستعدادات ربما خُطط لها لسنوات في غفلة من أجهزة الأمن والاستخبارات لما تتمتع به هذه التنظيمات من المرونة والقدرة على تطوير أساليبها وبسرعة تفوق سرعة الأساليب الأمنية المتبعة في دولة ما، وهذا يقودنا إلى التوصل إلى نتيجة أنّ "داعش"، على سبيل المثال لا الحصر، وإن انتهى عسكرياً إلا أنه ما زال مصدر قلقٍ، ولا بد من مواجهته بمعركة استخباراتية، إن صح التعبير، لقطع الطريق عليه من أن يظهر مجدداً.
ولكن هذه المعركة تتطلب جهداً كبيراً وتنسيقاً دقيقاً بين كافة الأجهزة الأمنية الدولية، كما تتطلب قبل كل شيء النية الصادقة من المجتمع الدولي ككل، فكيف تُنجز هذه المعركة لتكون ناجحة؟
يجب أن تبدأ هذه المعركة "الاستخباراتية" من منطق الواقع وجمع المعلومات وتشكيل قاعدة بيانات تساعدها على دراسة هذا الملف بشكل دقيق لعمل استراتيجية مناسبة للقضاء على التنظيم فكرياً.
وتعد خطوة جمع المعلومات نقطة البداية في الإجهاز على فكر هذا التنظيم ويتم ذلك من خلال عدة مصادر:
الأول: المواطنون في المناطق المحرّرة من المتطرفين، فالتنظيم سيطر وبقبضة من حديد على مناطق شاسعة في العراق وسوريا ولفترة زمنية امتدت لعدة سنوات خضع تحت سيطرته خلالها الملايين من الناس والمواطنين الذين لم يكن لهم حيلة سوى الخضوع لآلة حرب التنظيم الدموية، فمارس عليهم ضغوطاً اجتماعية واقتصادية وفكرية لتعويم ثقافته وتحويلها إلى سمة عامة لهم بحكم العادة، ومن هؤلاء الأفراد يمكن الحصول على معلومات هامة كأساليب التنظيم في نشر فكره، وطرق فرض ثقافته على الناس، وأساليب تعامله معهم من خلال إدارته المحلية للمنطقة، ويجب أن نميز هنا بين نوعين من المواطنين؛ الفئة الأولى التي تم إخضاعها بالقوة وعلى مضض والفئة الثانية التي خضعت باستسلام وتبنت فكر التنظيم في نوع من القناعة بالأيديولوجيا والأفكار التي يتبناها.
وهذا يقودنا للتمييز بين المعلومات التي نحصل عليها من الطرفين، فالأول قد يكون مدفوعاً بدوافعه الشخصية المشحونة بالكره مما يجعله يسرف في الإدلاء بمعلومات مبالغ بها، وبهذا تُقيّم الأساليب التي انتهجها التنظيم خطاً وتوضع الحلول تبعاً لمقدمات غير دقيقة، أما الطرف الثاني الذي استسلم بشبه قناعة فإنه سيدلي بمعلومات ضحلة عامة، وكذلك غير دقيقة فلا بد من إجراء موازنة في البيانات المجموعة للحصول على الصورة الواضحة الدقيقة وتبني المنهجية السليمة على القواعد السليمة للوصول إلى النتائج المرجوة.
أما المصدر الثاني فهو الأجهزة الأمنية والفصائل العسكرية التي حررت المناطق من سيطرة داعش، إذ تختلف أساليب هذه الفصائل والقوى وكذلك استراتيجيتها بمحاربة هذا التنظيم، ولاشكّ أن مَن قاتل التنظيمَ على الأرض تبقى لديه معلومات وبيانات ميدانية لا يمكن للاستطلاعيين أو عملاء الاستخبارات الوصول إليها، فلا بد من أن تؤخذ المعلومات من هؤلاء المقاتلين لمعرفة أساليب التنظيم الميدانية المختلفة في القتال والأوقات والظروف التي يشتد فيها التنظيم والأخرى التي يضعف فيها، بالإضافة إلى معرفة الاستراتيجيات التي يعتمدها التنظيم في حالات الطوارئ إذا ما ضيّق عليه الخِناق في معركة ما من المعارك، فعادة تكون تلك الاستراتيجيات الطارئة ارتجالية دون تخطيط مُسبق مما يوضح إذا ما كان المقاتلون في التنظيم ذوو خبرة وتدريب عالٍ أم لا.
ثالث المصادر هو معتقلو داعش الذين وقعوا بالأسر عقب القضاء على التنظيم في سوريا والعراق فهناك المئات من عناصر التنظيم ولا بدّ من استغلال هذه الحالة من خلال جمع المعلومات من كل الفصائل التي أسَرَت عناصر من التنظيم، إذ لا شك بأنّ كل فصيل قد حقق محققوه مع المعتقلين مما يعطي قاعدة بيانات واسعة باختلاف أساليب الفصائل في التحقيق.
نستطيع القول إنّه إذا ما جرت هذه المعركة بمنهجية وضوابط مهنية عالية فإنها ستقطع الطريق على ظهور مثل هذه التنظيمات وتؤدي إلى تطوير عمل المؤسسات الأمنية لتواكب وتسبق بخطوة دائماً تحركات هذه التنظيمات، ولكن هذه المعركة خطيرة جداً لأنها إن جرت دون منهجية أو بطريقة تعسفية قد تودي بنا إلى نتائج عكسية فإذا تمت بدافع شخصي أو بحقد ورغبة في الانتقام قد تجعل الناس يشعرون بالخوف فلا يمنحون ما لديهم من معلومات، لذلك يجب أن تتم بحذر وبطرق وأساليب توعوية تضمن نتائج تعود بالنفع على البشرية جمعاء، وعندها يمكن القول إنّ "داعش" لن تقوم له قائمة من جديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة