يمثل قرار ترامب الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس تحولا مفصليا في قضية السلام بالشرق الأوسط
بدون شك، يمثل قرار ترامب الأخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس تحولاً مفصلياً في قضية السلام في الشرق الأوسط، وسيكون عائقاً حقيقياً يعود بجهود السلام خطوات إلى الوراء.
ومثل هذا القرار يشكك في مصداقية الدور الأمريكي في أي مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويهدر عقوداً من الرضا بالولايات المتحدة الأمريكية وسيطاً وراعياً لعملية السلام. وإذا كانت دول الاعتدال العربي تبذل جهوداً حثيثة منذ سنوات لاحتواء التطرف والتشدد، فإن قرار ترامب يمنح الجماعات المتشددة والمتطرفة والدول الراعية لها في المنطقة فرصة جديدة لخلط الأوراق وكسب أنصار جدد، مما يعقد مهمة تيار التعقل والرشد في المنطقة، ويلقي على قادته أعباءً إضافية.
لا شك أن العرب، ومنذ احتلال القدس قد قصروا في الاهتمام بقضيتها على النحو الذي تستحقه، كما أن الفوضى التي ضربت المنطقة، ودعم أطراف عربية وإقليمية للانقسامات والاضطرابات في العالم العربي، وتغوّل الإرهاب ووحشيته، والتدخلات الخارجية التي تحاول التمدد داخل دول عربية بعينها من جانب إيران، واستخدام القضية الفلسطينية بوصفها ورقة للمزايدة والتهييج لا أكثر من جانب دول وقوى وجماعات بعينها، كل ذلك استنزف كثيراً من الثروات والجهود العربية وجعلنا أقل قدرة على العمل المشترك. كما أن الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني كان عائقاً أمام الجهود الحقيقية من أجل القضية الفلسطينية، فهذا الخلاف المُركَّب بين "فتح" و"حماس" من جهة، والخلافات البينية داخل كل تيار منهما من جهة ثانية، استهلكت بدورها كثيراً من الطاقة والجهد الذي كان يبغي أن يُكرَّس كاملاً لمواجهة الطرف الإسرائيلي الذي لم يُبدِ نية حقيقية للانخراط في عملية سلمية تستجيب للمبادرات العربية والجهود الدولية خلال السنوات الأخيرة.
يجب البحث عن أشكال جديدة للعمل تدعم صمود أهل القدس ودفاعهم عن هوية مدينتهم وعروبتها، خاصة مع ما يتعرضون له من ضغوط، ويمكن التفكير في التواصل المباشر مع أهلها لإشعارهم بأن هناك من يساندهم ويدعمهم، ومساعدتهم اقتصادياً وسياسياً وقانونياً.
الجميع يشجب اليوم، وهو أمر لا ننكره على أحد، ولكننا فرطنا جميعاً بكثير من حقوق القدس علينا أو تقاعسنا عن دعمها منذ عقود، وحان الوقت لكي نتخلى على أن نكون أصحاب ردود فعل فحسب، وأن نبادر بكل قوة بخطوات إيجابية بقدر ما نستطيع، ولا شك في أن هناك الكثير مما يمكن أن نفعله حتى بعد الموقف الأمريكي الأخير، ويقتضي ذلك من الأطراف الفلسطينية أساساً أن تكون على مستوى التحدي، ويمكن البناء على المواقف الإيجابية التي اتخذتها قوى عالمية ودول أوروبية كبرى ومنظمات دولية، وكذلك الإجماع العربي على استنكار الموقف الأمريكي ومكانة قضية القدس في الوجدان العربي عموما، كل ذلك يمكن البناء عليه لبذل جهود فلسطينية وعربية مكثفة تستثمر الوضع الدولي المواتي لكي تحد من فعالية قرار ترامب، ويجب البدء في ذلك بسرعة.
بالقدر نفسه يجب البحث عن أشكال جديدة للعمل تدعم صمود أهل القدس ودفاعهم عن هوية مدينتهم وعروبتها، خاصة مع ما يتعرضون له من ضغوط، ويمكن التفكير في التواصل المباشر مع أهلها لإشعارهم بأن هناك من يساندهم ويدعمهم، ومساعدتهم اقتصادياً وسياسياً وقانونياً على مكافحة مخططات التهويد من خلال عقد صلات وثيقة بمختلف المنظمات والهيئات العربية العاملة داخل المدينة.
إلى جانب ذلك، فإن العمل داخل الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها مهم، من خلال جماعات الضغط العربية والدبلوماسية العربية النشطة، سواء من جانب جامعة الدول العربية والمنظمات العربية والإسلامية الأخرى، أو من خلال استثمار العلاقات الثنائية الجيدة مع واشنطن في التحذير من عواقب القرار على المصالح الأمريكية ذاتها، وعلى الأمن والاستقرار في المنطقة ككل. ومسارات العمل هذه جميعاً، يمكن لها أن تحقق النجاح إذا ما تم العمل عليها بشكل ملائم، وهذا ما نأمل أن يبدأ على الفور بعيداً عن المزاودة والمتاجرة والخطب الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة