سؤال الساعة.. ماذا يعني تخلّف روسيا عن سداد الديون؟
ما كان متوقعا بشأن تخلّف روسيا عن سداد دفعات سندات مستحقة، قد حصل فعلا بتاريخ 26 يونيو/حزيران الجاري، وسط عقوبات غربية مالية قوية.
وتخلفت روسيا عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية للمرة الأولى منذ أكثر من قرن، حيث حدت العقوبات الغربية الصارمة المصممة لمعاقبة موسكو على غزو أوكرانيا، من قدرتها على سداد ديونها للدائنين الأجانب.
ولكن!.. ماذا يعني أن تتخلّف دولة عن سداد ديونها أو مدفوعات سندات وأذونات استحقت؟
بشكل عام، سيكون ذلك إشارة أولا لسمعة البلد العاجز عن دفع ما يستحق عليه من أموال، وهي إحدى البنود الرئيسية قبيل إعلان الدولة عن الإفلاس، إلى جانب سمعة سيئة عن الدولة من جانب الدائنين ومؤسسات التصنيف.
خلال الأيام المقبلة، ستتسابق وكالات التصنيف الائتماني، بخفض التصنيف الائتماني لروسيا، لجعلها قبلة غير جاذبة سواء للاستثمار أو لتقديم الديون لها من جانب الدول والمؤسسات الدولية.
ماذا عن روسيا؟
ولكن في حالة روسيا، فإن الأمر مختلف كثيرا عن الصورة السوداوية التي تحاول رسمها وكالات التصنيف أو الدول الغربية التي تفرض عقوبات على روسيا، بسبب غزو الأخيرة لأوكرانيا.
روسيا، لديها السيولة النقدية الكافية لدفع مستحقات ديونها كاملة قبل موعدها الرسمي، لكنها غير قادرة على إيصالها إلى الدائنين، لأن العقوبات قطعت روسيا عن أنظمة الدفع الدولية.
- "السبع" تضغط بشدة على أسعار النفط.. مخاوف سقف الخام الروسي
- وكالة موديز تؤكد تخلّف روسيا عن سداد ديونها
انتهى يوم الأحد الموعد النهائي لدفع فائدة متأخرة قدرها 100 مليون دولار؛ وقتها اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدفع للدائنين بالروبل، والذي يمكن تحويله بعد ذلك إلى الدولار، بعد أن أغلقت وزارة الخزانة الأمريكية ثغرة سمحت للكرملين بتسديد مدفوعات الديون المستحقة لحاملي السندات الأمريكية من خلال البنوك الأمريكية.
رفض السيناتور الروسي فلاديمير دجباروف تقارير عن التخلف عن السداد على Telegram، واصفا الغرب بالنفاق واتهم البنوك الغربية بسرقة مبالغ ضخمة من الأموال الروسية، وفق ما أورده تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
يقول الخبراء السياسيون إن التخلف عن سداد الديون يضيف إلى عزلة موسكو المتزايدة عن الاقتصاد العالمي ويمكن أن يشوه سمعتها بين المستثمرين الماليين بطريقة قد تستغرق سنوات لإصلاحها، حيث يخشى المستثمرون أن تستمر روسيا في وضع مصالح سياستها الخارجية على دائنيها.
ولكن، تمتلك روسيا الكثير من الأموال -فقد حققت ما يقدر بنحو 100 مليار دولار من صادرات الوقود وحدها في المائة يوم الأولى من الحرب.
لكن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى منعتها من الوصول إلى احتياطياتها من العملات الموجودة في الخارج.
كان لدى البنك المركزي الروسي أكثر من 640 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي اعتبارا حتى تاريخ 18 فبراير/شباط الماضي، معظمها في أجهزة الكمبيوتر للبنوك المركزية الغربية في مدن مثل نيويورك ولندن وفرانكفورت بألمانيا.
في الأسبوع الماضي، حاول الكرملين التحول إلى خدمة ديونه المستحقة بالروبل، متهما الغرب بإجباره على التخلف عن سداد الديون "المصطنعة".
وكانت آخر مرة تخلفت فيها روسيا عن سداد ديونها الخارجية في عام 1918، أثناء الثورة البلشفية، عندما أطاح البلاشفة بالقيصر نيكولاس الثاني ورفضوا قبول الديون الدولية المتراكمة خلال الحقبة القيصرية.
وفي الآونة الأخيرة، تخلفت روسيا عن سداد ديونها المحلية في عام 1998، حيث مرت البلاد بأزمة مالية وانهيار الروبل. وقد تعافت من تلك الأزمة بمساعدة المساعدات الدولية.
في تقرير لصحيفة واشنطن بوست، قللت وزيرة الخزانة جانيت يلين الشهر الماضي من تداعيات تخلف روسيا عن سداد الديون، قائلة إن البلاد "معزولة بالفعل عن أسواق رأس المال العالمية" بسبب العقوبات الحالية وهروب المستثمرين بسبب الحرب.
ومع ذلك، فإن هذه علامة سوداء كبيرة أخرى ضد سمعة الاستثمار الدولي لروسيا، وقد يستغرق التعافي منها وقتا طويلاً، كما يقول الخبراء - خاصة بالنظر إلى الأمثلة السابقة مثل الأرجنتين، التي واجهت العديد من حالات التخلف عن السداد.
إذا استمرت الحرب، فإن عدم قدرة روسيا على اقتراض الأموال قد يضر بحملتها، خاصة إذا تمكنت الدول الأوروبية من إبعاد نفسها عن النفط الروسي أو انخفضت أسعار الوقود.
ماذا بعد؟
حالة عدم السداد وتبعاتها، ستكون وفقا للعقود الموقعة بين حاملي السندات والحكومة الروسية، والفوائد الإضافية التي ستتحملها موسكو عن كل يوم تأخير.
إلا أن المسألة في الحالة الروسية لن تكون مالية، بقدر ما ستؤثر على المركز المالي والثقل الاقتصادي للبلاد خلال الفترة المقبلة، وما يعقبه من تشديد شروط الدائنين لروسيا بعد رفع العقوبات وانتهاء الأزمة القائمة.