ليس لنا إلا أن نقنع بأن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة قد تقع في أحمق السياسات والمقاربات الكارثية عليها وعلى غيرها، مدمرة بذلك التزامات القيادة العالمية.
هذا، أو نذهب مع الذاهبين إلى أن كل ما يجري مُرتب بدقة شديدة في طيات خطط مسبقة لتوجيه الأمور إلى وجهات مستقبلية لا تعلم بها إلا عقول قليلة في بلاد العم سام.
لكن نحن نرى ما هو أمامنا، وما نراه لا يسرُّ الناظرين.
قبل يومين قالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هاينز، في مؤتمر حول الأمن القومي بضواحي واشنطن: "نحن لا نضع أفغانستان في صدارة قائمة الأولويات، بل ننظر إلى اليمن والصومال وسوريا والعراق.. هناك نرى التهديدات الأخطر".
وتابعت: "رغم ذلك فإن هناك تركيزاً كبيراً من أجهزة الاستخبارات الأمريكية لمراقبة إمكانية قيام الجماعات الإرهابية بإعادة تكوين نفسها في أفغانستان".
ولفتت إلى أن "جمع المعلومات الاستخباراتية داخل أفغانستان قد تراجع منذ الانسحاب الأمريكي".
لاحظ التناقض في الكلمة نفسها، من جهة تجزم مسؤولة الاستخبارات الأمريكية بأن أفغانستان، تحت ولاية طالبان حالياً، لا تشكل خطراً على أمريكا والأمن العالمي، ولن تصبح مأوى للجماعات الإرهابية والتخريبية، ومن جهة أخرى، تقر بأنَّ واشنطن لا تملك المعلومات الكافية من داخل أفغانستان عن طبيعة النشاط وما يجري! وهو الأمر الذي قالته كوندوليزا رايس أيضاً، وزيرة خارجية بوش الابن، بأن أمريكا فقدت عيونها وآذانها داخل بلاد الأفغان.
لكن الثقب الأسود المخيف في كلام أفريل هاينز، وهي تستعرض البلدان الخطرة أمنياً من وجهة نظر الاستخبارات الأمريكية، أنها وضعت اليمن والصومال وسوريا والعراق، كلها بلدان عربية بالمناسبة، في مصدر الخطر، وأهملت إيران، مع معرفتنا بأنه لولا إيران لما صار تنظيم "القاعدة" بالقوة التي نعرف، وهذا فيه تفصيل كثير، مَن يريد الحقيقة سيجده في مواضعه، وسبق هنا استعراض جوانب منه.
لكن دعنا من الماضي، ودعنا من كلام العرب عن إيران، فنحن في نظر واشنطن خصوم غير مُنصفين مع إيران، ماذا عن كلام أهم حليف لواشنطن في الشرق الأوسط، عنيت تل أبيب؟
قبل أيام صرح وزير الدفاع الإسرائيلي بأن إيران تدرب مليشيات من اليمن والعراق ولبنان وغيرها على كيفية عمل الطائرات المسيّرة الانتحارية في قاعدة "كاشان" الجوية التابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني.
مَن يهاجم الأهداف الأمريكية في العراق تلقى تدريبه في إيران، دعك ممن يهاجم المنطقة الشرقية أو الجنوبية في السعودية.. نتكلم عن أهداف أمريكية وجنود ومدنيين أمريكان وحلفاء لهم.
كيف تفكر واشنطن فعلاً؟ وماذا تريد بحق رب السماء؟!
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة