تغيرات كثيرة تجري في خريطة المنطقة عبر تحولات عميقة، تعيد ترتيب المصالح وسقوفها، وأكثرها وضوحا هو انسحاب أمريكا من أفغانستان.
وربما يأتي أيضا انسحاب آخر للقوات الأمريكية من العراق قبل نهاية العام الجاري، ما يعني أن الواقع العربي عمومًا أصبح مواتياً أكثر للتعامل بمنطق المصالح المشتركة والمصير المشترك.
نظريًا، فإن تسوية الملفات بين الدول المتقاطعة في الشأن الليبي، خصوصًا تركيا ومصر، ستجعل ورقة الحل هي الأقرب، فالاجتماعات التركية المصرية المتواصلة وتبادل وجهات النظر بشأن عدد من الملفات الإقليمية، على رأسها ليبيا، ربما تشهد حسماً بسحب المليشيات والمرتزقة من ليبيا، لا سيما أن مصر، المدعومة من جامعة الدول العربية، تجدّد تمسكها في كل مرة بإبعاد المرتزقة والمليشيات من ليبيا، وذلك في ظل وجود رغبة أوروبية ودولية أيضا لدعم العملية الانتخابية هناك، والمقرر لها نهاية العام الجاري.
ليبيا، التي تحتاج إلى الإعمار بعد المصالحة، توقع كثيرون لصراعها أن يكون في طريقه نحو الاندثار، بعد أن تم التوصل إلى وقف إطلاق نار هناك، فضلا عن خارطة طريق للتسوية وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي جديد، والاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، غير أن المؤشرات بدأت تتوالى على وجود صعوبات حقيقية تعترض مسار هذه التسوية، بعدما برز الفشل في التوصل إلى قاعدة دستورية تُجرى الانتخابات المقبلة على أساسها، في ظل وجود الإخوان، الذين لا يريدون إجراء الانتخابات أصلاً، لأنهم على ثقة من أن نتائجها لن تكون في صالحهم، بل ستقضي على نفوذهم ومكاسبهم، وبالتالي فإن إجراء الانتخابات الليبية بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت تقتضي فعل المستحيل لمنعها.
إخوان ليبيا يمتلكون مليشيات مسلحة، وهو الأمر الذي يعني أن كل محاولات المصالحة الوطنية الشاملة والتسامح وإطلاق سراح المعتقلين، ستفشل ما لم تُتوج بإقامة انتخابات نزيهة بمساعدة دول الجوار الليبي.
ومع تعالي أصواتٍ في طرابلس تطالب بتأجيل الانتخابات عموماً، أو على الأقل بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها وتأجيل "الرئاسية" لمدة عام، يُعتقد أن هناك صيغة ما تعمل من خلالها الحكومة الليبية، استغلالا لتوافقات إقليمية ودولية، في ظل رغبة أطراف، مثل تركيا، ترى في ليبيا جزءا من أحلامها، علاوة على أن البرلمان الليبي لم يصدر قانون الانتخابات أو القاعدة الدستورية، التي ستقام عليها هذه الانتخابات، وهو ما يسهم في تصاعد الخلافات بين البرلمان وحكومة "الدبيبة" بصورة مستمرة.
ثم باعتراض المجلس الأعلى للدولة على إقرار البرلمان قانون الانتخابات الرئاسية، أصبح تنفيذ خارطة الطريق وإجراء الانتخابات الليبية في موعدها، المقرر في ديسمبر المقبل، مسألة تحيط بها الشكوك، بغض النظر عن تأكيدات جميع الأطراف إتمامها في وقتها.
ويبدو أنّ مشهد الانتخابات الليبية تبتعد المعطيات اللازمة والضرورية لإقامته عبر جملة تحديات تقف حائلاً أمامه، سواء ما يقع منها على المستوى الداخلي سياسياً أو ميدانياً، وما يرتبط به من أوضاع إقليمية ودولية تلقي بظلالها على الأحداث المحلية واستقرار المشهد الليبي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة