إن القراءة الهادئة لما يجري في سوريا منذ أيام قد تقودنا إلى فهم فواعل سياسية إقليمية ودولية مختلفة ومترابطة بشكل أو بآخر بالملف السوري.
وهذا يستدعي بطبيعة الحال عدم تحييد أي عنصر مستجد في الصراع الداخلي من أجل استيعاب هذا الوضع الميداني الراهن، وهناك نقاط مهمة سأتوقف عندها من خلال الآتي:
أولاً: ما إن أُعلن عن دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومليشيا حزب الله في لبنان حتى اشتعلت الحرب السورية مجدداً، وسيطرت فصائل مسلحة ضمن مسمى {إدارة العمليات العسكرية} تحت شعار {ردع العدوان} على محافظة حلب السورية التي كانت تسيطر القوات السورية في دمشق إلى جانب مليشيات إيرانية ولبنانية وأفغانية وباكستانية وعراقية شيعية، وهذا الأمر جعل البعض يقول: "إن إسرائيل تقف خلف هذه العمليات العسكرية المتسارعة".
ثانياً: إذا سلمنا جدلاً بأن إسرائيل تقف وراء ما جرى فيجب النظر إلى البعد التركي الكبير، والمهيمن على قرار أغلب الفصائل العسكرية السورية المناهضة للدولة السورية، وهل يمكن القول: إن هناك تحالفاً جديداً في سوريا بين أنقرة وتل أبيب؟، وهذا سؤال مهم أجاب عليه علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني قبل سويعات حين اتهم تركيا نصاً {بأنها وقعت في حسن التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لطرد إيران ومليشياتها من سوريا} على حد زعم المستشار آنف الذكر.
ثالثاً: من المؤكد أن إسرائيل لديها مصلحة حقيقية كما أمريكا بقطع الطريق الشهير الذي يفتخر به ما يسمى بـ"محور المقاومة"، والممتد من طهران لبغداد مروراً بدمشق وانتهاءً ببيروت، وهنا نؤكد على محورية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكن في مقابل هذا كله، كيف لأنقرة أن تستفز الصديق الروسي في سوريا بهذه الطريقة؟ وهل نسقت أنقرة مع موسكو حول هذه المسألة على ضوء اتصال صاخب بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان؟
رابعاً: لعل التداخل بين هذه القوى من حيث المصالح والأجندات السياسية والاقتصادية لكل طرف تجعل من سوريا والحرب فيها، حرباً بالوكالة لتحقيق أرباح هنا وهزائم كبيرة لأطراف أخرى، والمهم أن ردة الفعل الروسية حتى اللحظة حيال مساعدة الحكومة السورية في دمشق ليست بهذا الزخم في المرحلة السابقة، وهذا يتجلى بوضوح وليس بمستغرب لأن الحرب الأوكرانية الروسية فرضت معادلة عسكرية جديدة، قد تجعل موسكو تحسب ألف حساب للانغماس في حرب أكثر اتساعاً في رقعتها جغرافياً داخل سوريا.
خامساً: ما شهده مجلس الأمن الدولي قبل ساعات قليلة حول سوريا من خصومة معلنة بين موسكو واشنطن أظهرتها كلمات المندوبين، أمرٌ يلقي بظلاله على الموقف التركي المعلن كذلك، فعبارات المندوبة التركية في الجلسة كانت واضحة في تغيير نهج الحكومة التركية حيال التطبيع مع دمشق، و هذا ما أكد عليه هاكان فيدان وزير خارجية تركيا وهو يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي حين زار أنقرة، وأسمعه الجانب التركي كلاماً مختلفاً بضرورة الإسراع بتشكيل حالة جديدة مختلفة في مقاربة المسألة السورية الآن.
سادساً: عدم إغفال قضية اللاجئين السوريين المؤرقة لتركيا سياسياً واقتصادياً وحتى انتخابياً لحزب الرئيس أردوغان، فحلب بعد سيطرة فصائل سورية مسلحة موالية لتركيا عليها، قد تكون مكاناً مناسباً لإعادة أكبر عدد من السوريين اللاجئين في تركيا وعلى الحدود بين سوريا وتركيا، وهذا يجعل المسائل الأمنية قائمة في إطار خفض التصعيد، عندما تصل المعارك إلى تخوم حلول الأزمة الحالية.
أخيرا.. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قالها بالحرف: "الشرق الأوسط سيتغير كلياً على ضوء كل ما يحصل، وهذا يجعلنا نشعر بأنه لا يوجد لدينا أدنى شك بحجب الضد النوعي عن أي تطور في مجال عودة النشاط العسكري في سوريا أو انهيار الهدنة المؤقتة في لبنان، ولربما القرار غير المعلن غربياً بإنهاء حقبة المليشيات في المنطقة، بعد أن هددت مصالح دول بعينها، وما دمنا ذكرنا المصالح، لابد من القول ختاماً: الغرب كما أغلب الدول يبحث عن مصالحه، والمصالح هي المحرك الأساس لأي تبدل بالمشهد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة