الكوارث الطبيعية في 2025.. فاتورة الخسائر الأعلى منذ عقد
رغم التطور التكنولوجي والعلمي المذهل الذي حققه البشر، لا تزال قدرتهم على ردع الكوارث الطبيعية محدودة للغاية، ويبقى الحل الأمثل هو التكيف معها.
هناك أشكال كثيرة للكوارث الطبيعية، منها الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير والانفجارات البركانية وأمواج التسونامي، بعضها يحدث بصورة طبيعية وأخرى نتيجة التأثيرات غير المباشرة للأنشطة البشرية، مثل التغيرات المناخية التي تتسبب في تفاقم الظواهر الطقسية المتطرفة كالأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير وغيرها. لكن المشكلة الأكبر هي التأثيرات الناجمة عن تلك الكوارث والخسائر في الأرواح والممتلكات والنظم البيئية.
وقال هشام عيسى، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) لـ"العين الإخبارية": "يمكن تقييم حجم وتطوّر تكلفة الكوارث الطبيعية خلال هذا العام على أنه تصاعدي بوضوح، سواء من حيث الخسائر الاقتصادية أو الاجتماعية أو المالية العامة، مع انتقال الكوارث من كونها أحداثًا استثنائية إلى ظاهرة شبه منتظمة".
ويُضيف: "شهد هذا العام تسجيل خسائر اقتصادية مرتفعة نتيجة موجات الحر الشديد والفيضانات والجفاف والعواصف، حيث تجاوزت تكلفة الكوارث الطبيعية في كثير من الدول ما كانت تسجله قبل خمس أو عشر سنوات".
أبرز الكوارث الطبيعية عام 2025
خلال هذا العام، والذي شهد ارتفاعًا كبيرًا في درجات الحرارة، وقعت العديد من الكوارث الطبيعية، نذكر أبرزها:
1- فيضانات باكستان
تشتهر باكستان بتاريخها الحافل بالفيضانات؛ نتيجة موقعها الجغرافي والارتفاع الشديد في درجات الحرارة التي أدت إلى ذوبان الجليد وهطول الأمطار الموسمية الغزيرة، وقد تكررت بين يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول 2025، وقد أسفرت عن ما يقرب من ألف حالة وفاة من بينهم 255 طفلًا، وإصابة ما يزيد على ألف إصابة، من بينهم نحو 320 طفلًا.
2- الأعاصير والعواصف
تسببت الأعاصير المدارية التي تشكلت على سطح المحيطات الأطلسي والهادئ في خسائر كثيرة، وزادت الحرارة المرتفعة من تفاقمها خلال هذا العام، كما تسبب إعصار ميليسا في خسائر مادية عالية وضرب دولة جامايكا بقوة. هناك العديد من العواصف المدارية والأعاصير الأخرى التي تضرب بصورة خاصة أوروبا والأمريكتين ومنطقة البحر الكاريبي، وتسببت هذا العام بخسائر اقتصادية وخسائر في الأرواح والمرافق.
3- حرائق الغابات
تحدث حرائق الغابات باستمرار، لكن خلال العام 2025، تأثرت العديد من البلدان حول العالم التي تضم غابات على أراضيها؛ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة الشديدة الناجمة عن الاحتباس الحراري. ومن أبرز حوادث حرائق الغابات للعام 2025، التي اندلعت في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، متسببة في خسائر تجاوزت 150 مليار دولار.
لماذا كانت الخسائر مرتفعة هذا العام؟
كانت أصابع الاتهام تتوجه إلى السياسات التي لم تتخذ الإجراءات الوقائية للحد من الكوارث الطبيعية المحتملة التي تحدث وتتفاقم مع ارتفاع درجات الحرارة؛ مثلما حدث في حالة حرائق كاليفورنيا.
وفي هذا الصدد، يُعلق الدكتور عمر شوشان، رئيس اتحاد الجمعيات البيئية لـ"العين الإخبارية"، قائلًا: "إنّ تكلفة الكوارث الطبيعية هذا العام، تُمثل مؤشرًا صريحًا على فشل السياسات الوقائية والتكيفية"، ويتابع: "الخسائر الاقتصادية والإنسانية سجلت ارتفاعًا غير مسبوق، خصوصًا في الدول الأقل مساهمة في الانبعاثات".
أما عيسى؛ فيرى أنّه "في السابق كانت تكلفة الكوارث تُقاس أساسًا بالأضرار المادية المباشرة. أما هذا العام، فقد برزت بوضوح التكلفة طويلة الأجل: تعطّل سلاسل الإمداد، تراجع الإنتاج الزراعي، ضغوط على الأمن الغذائي والمائي، ونزوح داخلي متزايد. هذه التكاليف غير المباشرة تفوق في بعض الحالات تكلفة الدمار المباشر".
ويُضيف شوشان، قائلًا إنّ المشكلة الآن لم تعد فقط نقص في البيانات أو الإنذارات المبكرة، بل "في غياب الاستثمار الحقيقي في التكيف وبناء الصمود. استمرار التعامل مع الكوارث كأحداث طارئة، وليس نتيجة مباشرة لاختلال المناخ والسياسات التنموية، يفاقم الكلفة عامًا بعد عام".
تزايد الأعباء
ومع زيادة الكوارث الطبيعية، تزداد الأعباء على الحكومات والأفراد لتعويض الخسائر وإعادة الإعمار من جديد، لكن هناك مشكلة أخرى، يشرحها عيسى، قائلًا: "اللافت أن الزيادة لم تكن فقط في عدد الكوارث، بل في حدة كل كارثة واتساع نطاق تأثيرها الجغرافي، ما ضاعف تكلفة التعافي وإعادة الإعمار، ومع ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادية فإن تقييم التكلفة بات أيضًا صعبًا".
وتابع: "بالمقارنة بالسنوات السابقة، أصبحت الحكومات تتحمل جزءًا أكبر من التكلفة المباشرة وغير المباشرة، نتيجة ضعف أدوات التأمين المناخي، واتساع القطاع غير المؤمن عليه؛ خاصة في الدول النامية. هذا التطور حوّل الكوارث المناخية من عبء طارئ إلى بند شبه دائم في الموازنات العامة، ما يؤثر على الإنفاق الاجتماعي والاستثماري".
فجوة التعافي
وبسبب ارتفاع الخسائر الناتجة عن الكوارث الطبيعية المختلفة، قد لا تستطيع كل الدول تداركها واحتواءها بنفس القوة، بل تظهر التفاوتات تبعًا للقوة الاقتصادية لكل دولة، ما يُوضح فجوة التعافي.
وعلق عيسى على تلك الظاهرة، قائلًا: "رغم ارتفاع إجمالي الخسائر، لم يواكب التأمين هذا التصاعد بنفس الوتيرة. فحصة كبيرة من الأضرار –خصوصًا في الجنوب العالمي– بقيت غير مؤمَّن عليها، مقارنة بالسنوات السابقة، ما زاد من هشاشة الاقتصادات المحلية وعمّق فجوة التعافي بين الدول الغنية والنامية".
تتسبب الكوارث الطبيعية في عبء اقتصادي على العالم، وبدلًا من ضخ الأموال لتحقيق تقدم البشرية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يتم توجيه مبالغ تُقدر بمئات المليارات من الدولارات لبناء ما أفسدته الكوارث الطبيعية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز