تشير الأرقام إلى عائدات إيران من النفط تقدر بنحو 40 مليار دولار قياسا على الدخل المعلن من قبل البنك المركزي الإيراني
كيف سيؤثر تشديد العقوبات الأمريكية وتطبيق المرحلة المقبلة وحظر تصدير النفط الإيراني؟ ربما كان هذا هو السؤال الأكثر تداولاً بين المتخصصين والباحثين في منطقة الخليج العربي خلال المرحلة الراهنة.
ومع توارد أنباء وتوقعات حول إمكانية استثناء بعض الدول المستوردة للنفط الإيراني، وإعراب بعض هذه الدول عن رغبتها في الحصول على استثناء أمريكي، بادر الرئيس دونالد ترامب بإعلان قرار بإنهاء الإعفاءات التي سمح بموجبها لثماني دول بشراء النفط الإيراني، وهذا المنع يستهدف الوصول إلى تحقيق هدف "صادرات صفر" من النفط الإيراني، ما يعني حرمان النظام الإيراني من أهم موارده، التي تمثل نحو 80% من عائدات الخزانة الإيرانية، وهو ما يمثل ضربة قوية للخطط التوسعية الإقليمية التي ينفذها هذا النظام في السنوات الأخيرة.
الاستراتيجية الأمريكية تهدف إلى الحد من قدرة النظام الإيراني على إثارة الفوضى والاضطرابات، ولكنها في حقيقة الأمر قد تشجع ملايين الإيرانيين على التمرد على هذا النظام الذي تسبب في وصول البلاد إلى أوضاع عزلة دولية غير مسبوقة، حيث تدهورت الأوضاع المعيشية والتنموية على مستويات غير مسبوقة
وتشير الأرقام إلى أن عائدات إيران من النفط تقدر بنحو 40 مليار دولار قياساً على الدخل المعلن من قبل البنك المركزي الإيراني خلال الفترة من 21 مارس 2018-22 يوليو 2018، والتي بلغت نحو عشرة مليارات دولار، ويبدو الجدل الآن متمحور حول تنفيذ القرار الأمريكي؛ حيث ظهرت دلائل على أن سوق النفط العالمية لن تعاني باختفاء صادرات النفط الإيراني مع وجود زيادة في صادرات دول أخرى منتجة للنفط لتعويض غياب الصادرات الإيرانية، وعلى الرغم من أن النظام الإيراني لا يزال يصدر شكوكا حول إمكانية تنفيذ القرار الأمريكي، فإن سلوكه السياسي يؤكد أنه بات على أبواب أزمة هائلة، لا سيما أن الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية لا تقتصر على منع صادرات النفط، بل تشمل منع واردات السلع إلى إيران، وفرض حظر على المصارف وقطاع النقل الإيراني، ما يعني إحكام الحصار حول النظام الإيراني والحيلولة بينه وبين الموارد المالية التي يوظفها في دعم التطرف وتوسيع النفوذ الطائفي إقليمياً، فضلاً عن دعم المليشيات وبرامج التسلح الصاروخية وغير ذلك.
وتأتي هذه الخطوة بعد انتهاء مهلة الأشهر الست التي منحتها الولايات المتحدة لثماني دول استمرت في شراء النفط الإيراني من دون مواجهة عقوبات أمريكية، وهذه الدول هي الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا واليونان.
لجأ النظام الإيراني إلى خياراته المحدودة للغاية بالتلويح التقليدي بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي؛ حيث نقل عن قائد البحرية التابعة للحرس الثوري إن إيران "ستغلق مضيق هرمز إذا مُنعت طهران من استخدامه"، وقال الجنرال علي رضا تنكسيري: "وفقاً للقانون الدولي فإن مضيق هرمز ممر بحري، وإذا مُنعنا من استخدامه فسوف نغلقه"، ولكن الحقيقة أن النظام الإيراني يراهن على سنوات طويلة من الخبرة في التهرب من العقوبات والتحايل عليها، ولكنه لا يدرك أن المسألة هذه المرة تبدو مختلفة، وأن الثغرات التي كان ينفذ منها في نظام العقوبات السابق لم تعد قائمة، وأن أي تحرك عسكري إيراني لإغلاق المضيق، الذي تمر عبره 40 في المئة من إمدادات النفط العالمية، سيضع النظام الإيراني في مواجهة حادة مع جميع الدول المستوردة للنفط من منطقة الخليج العربي.
والمؤكد أن التهديدات بإغلاق المضيق ليست قابلة للتحقق واقعياً، ولكن النظام الإيراني يريد من ورائها إثارة موجة من الهلع والمخاوف في أسواق النفط العالمية كي يرتفع سعر الخام، ويتسبب ذلك في الضغط على إدارة ترامب كي تجمد قرارها ضد إيران، خصوصاً أن أسواق النفط العالمية تعاني بالفعل ظروف توتر بسبب أزمات في دول منتجة أخرى مثل فنزويلا وليبيا، ولكن الإحصاءات تشير إلى أن إجمالي صادرات إيران النفطية البالغة 1.3 مليون برميل يومياً في الفترة الأخيرة يمكن تعويضها من قبل منتجين آخرين من دون التأثير سلباً في أسواق النفط العالمية، حيث يلاحظ أن الأسواق لم تتأثر بانخفاض الصادرات الإيرانية من 2.5 برميل يومياً قبل توقيع العقوبات الأمريكية على إيران منتصف العام الماضي، إلى مستواها الحالي، الذي يقدر بالنصف تقريباً.
الاستراتيجية الأمريكية تهدف إلى الحد من قدرة النظام الإيراني على إثارة الفوضى والاضطرابات، ولكنها في حقيقة الأمر قد تشجع ملايين الإيرانيين على التمرد على هذا النظام الذي تسبب في وصول البلاد إلى أوضاع عزلة دولية غير مسبوقة؛ حيث تدهورت الأوضاع المعيشية والتنموية على مستويات غير مسبوقة ودفع الشعب الإيراني بأكمله فاتورة طموحات هذا النظام، فهل تنجح العقوبات الأمريكية في وضع نهاية لهذا النظام؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة