أكثر ما يميز الشعب السوداني هو الصبر والحكمة، وهم معروفون بذلك وليس من السهل على المرء استفزاز السوداني أو إثارة غضبه.
أكثر ما يميز الشعب السوداني هو الصبر والحكمة وهم معروفون بذلك، وليس من السهل على المرء استفزاز السوداني أو إثارة غضبه، ولكن ما أن نفد صبرهم فستكون الصورة مختلفة تماما، وهذا ما حدث واقعا في الأيام الأخيرة عندما قال السودانيون لرئيسهم عمر حسن البشير كفاك ثلاثين عاما من الحكم "ارحل".
هنا تغير مجد الحديث عن حقبة البشير التي ما مدحناه يوم كان على صهوة جواده لنأتي اليوم بما يسيء له بعد الإطاحة به، فالرجل كان يحظى بمقبولية عند البعض ولكن الجزء الأعظم من الشعب كان يرى فيها عاملا رئيسا في تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في السودان، يضاف إلى هذا تقسيم البلاد بين شمال وجنوب نتيجة عدم معالجة ملف الجنوب بالطريقة التي ترضي أبناءه، وهذا ما يعد خسارة لدولة كانت موحدة.
كان العالم يراقب تطور الأحداث في السودان بشكل لم يتوقعه البعض بهذه النهاية السريعة لنظام تمسك بالسلطة إلى درجة تغيير قوانين البلاد ودستورها أكثر من مرة لضمان الاستمراية.
نستطيع القول بأنّ أكثر ما يميز السوادنيين هو شدة ولائهم لوطنهم، وهذا ما تجلى واضحا في صورة التلاحم بين المتظاهرين والجيش الذي لم يطلق رصاصه على المتطاهرين - باستثناء بعض التصرفات الفردية- ولم يرض لهم الذلّ والمهانة، وهذا ما انعكس بشكل مباشر بحفاظ السودانيين على قدسية المؤسسة العسكرية
الصورة الأكثر جاذبية هي طريقة التظاهر لدى السودانيين الذين لم يتعرضوا خلال أسابيع تظاهراتهم لجيشهم، بل ذهب بهم الأمر إلى الاعتصام قرب مقر قيادة أركانه، وهذا له دلالات كبيرة منها:
أولاً ثقة الشعب في جيشه وتيقنه أنّه لن يكون عامل قمع للشارع الذي هو منه كما كان يقول الجنود الذين كانوا يحمون المتظاهرين، وهذا ما جعل الحراك يزداد يوما بعد آخر، لأنه في بلدان أخرى أكثر ما يخيف الناس هو العنف المستخدم من الجيوش في قمع المتظاهرين، والمثال الأبرز على ذلك هو إيران حين قمعت قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني المتظاهرين عام 2009 وكذلك ما حدث مؤخرا في 2018.
ثانيا لم يرد في عقيدة الجيش السوداني أو تاريخه الحديث أنّه وافق على أن يكون أداة لتخويف الشعب، بل كان في أغلب الأحيان يميل لما يقرره ويرتضيه السودانيون وهذه نقطة كبيرة في منطقة ثمة فيها قادة عسكريون يتباهون بمدى ولائهم لرؤساهم عن طريقة زيادة جرعة العنف ضد المتظاهرين.
ثالثا استفادة الجيش السوداني من التجربتين الجزائرية وقبلها التونسية حين قرر جيشا هذين البلدين المضي مع الشعب، لدرجة أنّ رئيس الأركان ووزير الدفاع التونسي الفريق رشيد عمار رفض أمر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وعليه أشاد الكثير من المتابعين لانتفاضة التونسيين بالدور الذي لعبه الفريق عمار والجيش برحيل بن علي وعدم انزلاق البلاد نحو المزيد من العنف. وهذا ما تكرر في الجزائر حين كانت كلمة الفصل للقوات المسلحة في الحراك الأخير، وأجبر موقفها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على تقديم استقالته.
رابعاً: غياب العنف تجاه العسكر في السودان، وهذا أبرز ما كان يميز الحراك في الشعب الذي لم تكن في ذهنيته ولا في عقيدته نية الاعتداء على القوات المسلحة إيمانا منه بأنّ هؤلاء الجنود من أبنائه وسينحازون لخيار ذويهم في النهاية، فهم متضررون كذلك مما يعانيه الشارع.
كل العوامل السابقة قادت الدول المراقبة لما حدث في السودان للانحياز للشارع لأنها لم تجد تباينا بين الشعب والجيش، وعلى هذا الأساس جاء الموقفان السعودي والإماراتي المرحب بقرارات المجلس العسكري الانتقالي، وإيماناً من هاتين الدولتين أنّ ما حدث ليس مواجهة بين المؤسسة العسكرية والمتظاهرين المدنيين وإنما انتقال سلس كان حجر الأساس فيه قائد السلطات ومصدرها الأول الشعب السوداني لتتوالى بعدها المواقف العربية والدولية المؤيدة لقرارات السلطات الجديدة.
نستطيع القول بأنّ أكثر ما يميز السوادنيين هو شدة ولائهم لوطنهم، وهذا ما تجلى واضحا في صورة التلاحم بين المتظاهرين والجيش الذي لم يطلق رصاصه على المتطاهرين- باستثناء بعض التصرفات الفردية- ولم يرض لهم الذلّ والمهانة، وهذا ما انعكس بشكل مباشر بحفاظ السودانيين على قدسية المؤسسة العسكرية التي عملت على حفظ أمن البلد، ما لم يستثمر بعض قادتها الحراك العسكري الأخير ليكرر ما فعله البشير وثلة مؤيديه عام 1989 بالاستيلاء على السلطة وسرقة حلم السودانيين بوطن ديمقراطي آمن مستقر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة