البيت الأبيض يوقف نزيف الثقة في «البنتاغون».. كارت أحمر لـ«البوليغراف»

في قلب «البنتاغون»، اندلعت عاصفة من الشكوك والاتهامات غير المعلنة، بعد أن لجأ وزير الدفاع الأمريكي، إلى اختبارات كشف الكذب كسلاح لمحاصرة ما وصفه بـ«تسريبات داخلية تهدد الأمن»، مستهدفًا مسؤولين مقربين منه، بينهم مستشارون عسكريون بارزون.
لكنّ هذه الحملة الأمنية سرعان ما اصطدمت بجدران البيت الأبيض نفسه، الذي رأى فيها «تجاوزًا مقلقًا للصلاحيات»، وتدخل لوقفها بعد ضغوط من أحد أكثر مستشاري هيغسيث ولاءً للرئيس دونالد ترامب.
فماذا حدث؟
قال مسؤولون أمريكيون وآخرون مطلعون على الأمر إن استخدام وزير الدفاع بيت هيغسيث لاختبارات كشف الكذب (البوليغراف) للبحث عن الأشخاص الذين يسربون معلومات إلى وسائل الإعلام «توقف بناء على توجيهات البيت الأبيض بعد أن أثار مستشار كبير لهيغسيث قلق كبار المسؤولين هناك بشأن استهدافه».
وأفاد أشخاص مطلعون على الأمر بأن المستشار، باتريك ويفر، اشتكى لمسؤولي البيت الأبيض ربيع هذا العام، مُعربًا عن مخاوفه من احتمال توجيه هيغسيث أو أحد أعضاء فريقه قريبًا له للخضوع لاختبار كشف الكذب.
وأثار هذا الاحتمال غضب ويفر، وهو من أشدّ مؤيدي الهجرة، ويُعتبر -كذلك- أحد المؤيدين المخلصين للرئيس دونالد ترامب داخل الإدارة الأمريكية، ومساعدًا لنائب رئيس موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر، وفقًا لمسؤولين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم.
جاء تدخل البيت الأبيض، الذي لم يتم الإبلاغ عنه من قبل، في شكل مكالمة هاتفية من قبل فرد مقرب من الإدارة بعد أن بدأ فريق هيغسيث في إدارة اختبارات كشف الكذب للأشخاص المحيطين بوزير الدفاع في أبريل/نيسان، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر، والذين رفضوا تحديد هوية الفرد.
قبل إيقافهم، جرى إجراء اختبارات متعددة على مدى عدة أسابيع بموافقة من هيغسيث ونصيحة من تيم بارلاتوري، الذي عمل كمحامٍ خاص لوزير الدفاع ومساعد عسكري بدوام جزئي في طاقمه، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
شغل ويفر سابقًا منصب عضو في هيئة موظفي الكونغرس الجمهوري، ومساعدًا في إدارة ترامب الأولى في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، وفي وزارة الأمن الداخلي. ولا يزال مستشارًا لهيغسيث.
وبحلول الوقت الذي اقترب فيه من البيت الأبيض، كانت اختبارات كشف الكذب قد أُجريت بالفعل لأعضاء المجموعة الاستشارية المشتركة بين الوكالات، وهي فريق في مكتب هيجسيث الرئيسي شُكِّل لدراسة كيفية مكافحة عصابات المخدرات وتعزيز الأمن على الحدود الجنوبية، وفقًا لمصادر مطلعة. يضم الفريق عددًا كبيرًا من قوات العمليات الخاصة وممثلين عن وكالات حكومية أخرى، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وخضع العقيد ريكي بوريا، وهو مساعد عسكري عيّنه هيغسيث مستشارًا أول له، لاختبار كشف الكذب، وكانت نتائجه غير حاسمة، وفقًا لمسؤولين، وهي تفاصيل أوردتها صحيفة «الغارديان» لأول مرة. وقد قدّم بوريا أوراقه للتقاعد من سلاح مشاة البحرية.
كما هدّد هيغسيث بإجراء تجارب ضد آخرين، بمن فيهم اثنان من كبار الضباط العسكريين: الأدميرال البحري كريستوفر غرادي، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، والفريق أول دوغلاس أ. سيمز، مدير هيئة الأركان المشتركة.
قرر هيغسيث لاحقًا تجاوز ترقية سيمز إلى رتبة جنرال بأربع نجوم، رغم وجود خطة سابقة لذلك، في قرار أثار حفيظة عدد من كبار الضباط الذين رأوا أن سيمز يستحق رتبة أفضل.
هل علق البنتاغون؟
ورفض البنتاغون الرد بشكل مباشر على التقارير المتعلقة باختبارات كشف الكذب.
وقال المتحدث باسم الوزارة، شون بارنيل، في بيان مكتوب: «لن تُعلّق الوزارة على تحقيق جارٍ». وأضاف، أن «هوس وسائل الإعلام بشائعات العمل التي تعود لأشهر، يعكس الوضع المُحزن والمُثير للشفقة الذي وصلت إليه الصحافة في واشنطن».
وأعرب بارنيل عن امتنانه لسنوات خدمة سيمز، قائلاً: «نتمنى له التوفيق في مساعيه المستقبلية».
سر التوقيت
جاءت أجهزة كشف الكذب خلال فترة اضطراب هائل في الدائرة المقربة لهيغسيث، شملت إقالة وزير الدفاع لثلاثة من كبار المسؤولين المعينين في البنتاغون في أبريل/نيسان واتهامهم بتسريب معلومات إلى وسائل الإعلام. نفى المساعدون - دان كالدويل، وكولين كارول، ودارين سيلنيك - ذلك واتهموا البنتاغون بتشويه سمعتهم. ولم يقدم فريق هيغسيث أي دليل يدعم ادعاءاته.
بدأ التحقيق في التسريب في شهر مارس/آذار بمذكرة من جو كاسبر، رئيس موظفي هيجسيث آنذاك، يقول فيها إن «الكشف غير المصرح به عن معلومات تتعلق بالأمن القومي، يتطلب تحقيقًا شاملاً».
وكتب كاسبر في مذكرة بتاريخ 21 مارس/آذار: «سيكون استخدام أجهزة كشف الكذب في هذا التحقيق متوافقًا مع القانون والسياسة المعمول بهما». وسيُختتم التحقيق بتقرير يُرفع إلى وزير الدفاع، ويتضمن سجلًا كاملًا للإفصاحات غير المصرح بها داخل وزارة الدفاع، وتوصيات لتحسين هذه الجهود.
وتفاقمت الاضطرابات بعد أيام قليلة بسبب قضية «سيغنال جيت»، حيث ناقش هيغسيث ومسؤولون كبار آخرون في الأمن القومي حملة قصف قادمة ضد المسلحين الحوثيين في اليمن في رسالة دردشة جماعية غير سرية تضمنت عن غير قصد محررًا من مجلة أتلانتيك.
وأكدت الإدارة مرارًا وتكرارًا أن أيًا من هذه المعلومات لم يكن سريًا. لكن شهودًا أبلغوا مكتب المفتش العام لوزارة الدفاع لاحقًا، في إطار تحقيقاته الجارية، أن تفاصيل العمليات المشتركة مأخوذة من رسالة بريد إلكتروني سرية تحمل عنوان «سري/لا يُكشف عنه»، ما يعني أن نشر المعلومات للعامة يُعتبر مُضرًا بالأمن القومي، ويجب ألا يشمل المسؤولين الأجانب.
واستقال كاسبر طواعيةً من منصبه كرئيس للأركان في أبريل/نيسان بعد أشهر من الخلافات الداخلية بين كبار موظفي هيغسيث، وانتقل إلى القطاع الخاص وعمل بدوام جزئي في البنتاغون كموظف حكومي خاص.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjA4IA== جزيرة ام اند امز