الإرهاب العنصري القائم على الفكرة المتطرفة حول سيادة العرق الأبيض أو الرجل الأوروبي هو ليس وليد اللحظة.
أفاق العالم يوم الجمعة الماضي على هجوم إرهابي بشع استهدف المسلمين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، هذا الحادث الأليم أسفر عن مقتل 50 شخصاً -رحمهم الله- من بينهم كبار السن والأطفال، وقد تم القبض على الشاب الأسترالي العنصري المتطرف برينتون تارانت مرتكب الجريمة، في الوقت الذي أعلنت رئيسة حكومة نيوزيلندا أن الفعل يُعد نشاطاً إرهابياً.
الإرهاب العنصري القائم على الفكرة المتطرفة حول سيادة العرق الأبيض أو الرجل الأوروبي هو ليس وليد اللحظة، بل يعد من أقدم موجات التطرف العنيف الذي استفاق على أنقاض الحرب الأهلية الأمريكية في ستينيات القرن التاسع عشر، وتصدرت هذه الفترة الجماعة المعروفة باسم KKK التي رأت في استخدام العنف على السود الوسيلة الوحيدة لمقاومة الثورة والسبيل الوحيد للحفاظ على المنظومة المجتمعية، وكحال كل الأفكار تطورت الفكرة واختلفت مع اختلاف السياقات التاريخية والجيوسياسية والحركات المناهضة لها.
الجيل الجديد من العنصريين البيض يحملون ثقافة مختلفة عن أسلافهم وعقيدة غريبة في مكوناتها، فهي خليط من الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية وكره المهاجرين وأفكار نازية مع لمسة دينية ضالة كإسباغ العرق الأبيض للسيد المسيح -عليه السلام- وتعزيز ونشر هذه الثقافة من خلال موسيقى الروك الصاخبة بكلمات عنصرية تستحقر الغير، وهذا من الناحية الفكرية، أمّا من الناحية العملية فهم أول من استخدم الشبكة العنكبوتية في ترويج تلك الأفكار، وهم أصحاب السبق في استخدام تكتيك الذئاب المنفردة.
الإرهاب العنصري لا دين له، ولا يعرف ديناً لضحاياه، فقد اكتوى به المسلم وغير المسلم، كما يجب على المجتمعات مواجهته بشجاعة من خلال تعزيز قيم التعايش والتسامح وإيصال صوت العقل واجتثاث فكرة الإسلاموفوبيا لنواجه بها الخطاب اللاعقلاني العنصري، بدلاً من التقوقع خلف ستار المظلومية وتمثيل دور الضحية
هجوم نيوزيلندا هو امتداد لهجمات أخرى نفذتها ذئاب بيضاء منفردة في العقدين الأخيرين، منها ما استهدف المجتمعات اليهودية والسيخية وكنائس المسيحيين ذوي البشرة السمراء، وكانت أبشعها تلك التي استهدفت مخيماً صيفياً عام 2011 لشباب حزب العمال النرويجي الذي أودى بحياة 69 شخصا معظمهم من المراهقين النرويج.. تتشابه هذه الهجمات مع هجوم نيوزيلندا في أن كُلاً من مرتكبيها نشروا بياناً (مانيفستو) يدعون فيها لعالم جديد يسود فيه العرق الأبيض على باقي الأعراق، ويحرضون زملاءهم من معتنقي الفكر نفسه بإكمال مسيرة العنف وبأنه السبيل الوحيد للنصر.
وعند قراءة المانفيستو الذي نشره مرتكب هجوم نيوزيلندا لا يختلف عن الدعاية التي يتبناها اليمين المتطرف، فهي من ذات المشكاة الإثنية، ويبين سطحية فكر برينتون تارانت ونرجيسته ومروره باضطراب ثقافي وتأثره بأندرس بريفيك مرتكب هجوم النرويج عام 2011.
وأما تصويره وبثه للهجوم مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي فهو يُعد سابقة خطيرة وجب الوقوف عليها، فمن المخيف تصور أن أعداد الإعجاب والمشاركة بهذا المنشور قد يثير كمًا من العنف في النفس البشرية وبأن لعبة مثل "فورتنايت" قد تلهم عملاً إرهابياً ودموياً بهذا الشكل، ومخاوف مشروعة أخرى كالهجمات المشابهة، وردود الفعل من التنظيمات الدينية المتطرفة كداعش والقاعدة التي بدأت ببث رسائل التهديد والوعيد التي لا تزيد الوضع إلا احتقاناً.
الإرهاب العنصري لا دين له، ولا يعرف ديناً لضحاياه، فقد اكتوى به المسلم وغير المسلم، كما يجب على المجتمعات مواجهته بشجاعة من خلال تعزيز قيم التعايش والتسامح وإيصال صوت العقل واجتثاث فكرة الإسلاموفوبيا لنواجه بها الخطاب اللاعقلاني العنصري، بدلاً من التقوقع خلف ستار المظلومية وتمثيل دور الضحية والشحن العاطفي ضد الغرب للدفع بأجندة سياسية أو أطماع شخصية.
يقف الغرب اليوم وقادته مع المسلمين ويتعاطفون مع الضحايا وبالتالي يجب العمل على استغلال هذه الفرصة، لا سيما أن الطريق الوحيد هو العمل المشترك على وضع آليات تجرم خطاب الكراهية والعنف بكل أشكاله وأنواعه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة