عند الحديث عن الحروب، يذهب ذهن الكثيرين إلى أن العدو الخارجي، أياً كان، هو دائمًا المجرم بحق المدنيين والشعوب.
لكن الحقيقة أن مجرم الحرب قد يكون في أحيان كثيرة من بين أبناء الوطن ذاته، يتاجر بدماء شعبه، ويطيل أمد الحرب خدمة لمصالحه الضيقة أو أجندات خارجية، متجاهلاً صوت العقل والحق.
إن أخطر ما تواجهه الشعوب في نزاعاتها ليس فقط بطش العدو، بل خيانة الحركات والميليشيات والأحزاب التي تزايد على معاناتهم، وتجعل من قضيتهم العادلة سلعة على موائد المساومات السياسية والابتزاز الدولي.
هذه الحقيقة المؤلمة تجلت بوضوح في غزة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، عندما شهدنا حجم الدمار والقتل والتهجير الذي تعرض له الشعب الفلسطيني بسبب سياسات حركة حماس، التي أغلقت آذانها عن كل النداءات العقلانية، واختارت طريق المغامرة والتدمير.
لقد رأينا مشاهد تُندى لها الجبين، تُظهر معاناة شعب غزة، الذي وقع ضحية خيانة المتاجرين بالقضية، ممن نسّقوا عن قصد أو عن جهل مؤامرات غير معلنة مع أعداء الأمة ضد شعبهم، دون أن يعنيهم تشريد أو قتل أو تهجير الغزيين.
منذ عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والقضية الفلسطينية تعاني من قيادات تُفشل كل مبادرة سلام حقيقية تحفظ للشعب كرامته وأمنه. لم يكن الرفض المستمر للاتفاقيات لمصلحة الشعب بقدر ما كان انسياقًا وراء لعبة دولية لا تهمها إلا إبقاء القضية ورقة ضغط، لا حل.
واليوم، تتحمل القيادة الفلسطينية بكل فصائلها وميليشياتها جزءًا كبيرًا مما يحدث للشعب، بسبب تجاهلها لصوت النصيحة القادمة من الأراضي المقدسة، وانخراطها في تحالفات مشبوهة مع أطراف معروفة بعدائها للأمة.
ومن خان ونقض العهد والميثاق بجوار الكعبة المشرفة لن يكون أمينًا على القضية. ومن يعطي الكعبة ظهره فحتماً سوف يضع يده مع الشيطان. ومن يتخذ المجوس مرجعًا ومستشارًا للقضية لن يهمه حال الشعب في غزة، ولا معاناتهم، ولا دماؤهم الطاهرة التي تسيل كل يوم.
أرى أن أحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني هي الخيار الأفضل لمواجهة حركة حماس اليوم، حمايةً لحقوق الشعب الفلسطيني، وذلك قبل مواجهة جرائم الاحتلال الذي اتخذ من تصرفات حماس والميليشيات ذريعة ليتوسع ويتمدد في القطاع تحت غطاء «ردة فعل» على الإرهاب.
وأرى أن العدالة الدولية، إن كانت حقيقية ومنصفة، ينبغي أن تطال الجميع بلا استثناء، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي الذي ارتكب على مدى عقود جرائم لا تسقط بالتقادم بحق الشعب الفلسطيني. ومع ذلك، فإن البداية الصحيحة لحماية الشعب يجب أن تبدأ من الداخل؛ بمحاكمة من تاجروا بدمائه وخانوا قضيته وأضاعوا فرص إنقاذه، وعلى رأسهم قادة حركة حماس الذين حولوا القضية إلى وسيلة للابتزاز السياسي، وأعطوا الاحتلال الذريعة لتدمير غزة وتهجير أهلها. إن تطهير الصف الوطني من هؤلاء الخونة هو الخطوة الأولى نحو مساءلة العدو ومحاسبته أمام المحاكم الدولية، لأن القضية العادلة لا يليق بها أن يمثلها محامون خانوا أمانتها.
ختامًا، وبما أن الشعوب العربية والإسلامية ما زالت تتحمل مسؤولية الدعم المادي والإنساني للشعب الفلسطيني بسبب خيانة بعض فصائله، فإن من واجب المؤسسات الإسلامية والعربية، التحرك الجاد لتقديم قادة حركة حماس إلى العدالة الجنائية الدولية كمجرمي حرب، لينال الشعب الفلسطيني حقوقه التي تكفلها القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإنسانية.
فالقضية الفلسطينية كانت وستبقى قضية عادلة، لكن المؤلم أن المحامي خان القضية. لذا، لا بد من إنقاذ الشعب من خيانة أبنائه التي أسفرت عن تكالب العدو الصهيوني ضد الشعب الأعزل في غزة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة