من يربح معركة براءات اختراع لقاحات كورونا؟
بينما يكافح الاقتصاد العالمي للخروج من النفق المظلم الذي دخله بضغط من جائحة كورونا، تدور معركة أخرى حول براءات اختراع اللقاحات.
وعلى مدار قرابة 8 أشهر شهدت اجتماعات منظمة التجارية العالمية خلافات حول مقترح تقدمت به الهند وجنوب أفريقيا بالتنازل المؤقت عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة بلقاحات فيروس كورونا، وهو الدعوة التي لاقت تأييد 60 عضوا من بين 164 عضوا بالمنظمة، بينما كان هناك رفض من جانب الاتحاد الأوروبي.
ووسط هذا الخلاف، تحول موقف الإدارة الأمريكية من رافض للدعوة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى مناصر لها في عهد الرئيس جو بايدن.
ومن المقرر أن يتفاوض أعضاء منظمة التجارة العالمية في الاجتماعات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول حول عدة موضوعات، ومنها الوباء وما يرتبط به من لقاح.
وتصف الملكية الفكرية الإبداعات، مثل الاختراعات، المحمية ببراءات اختراع، وحقوق التأليف والنشر، والعلامات التجارية. وهذه تمنع النسخ وتسمح للمنشئ بالحصول على مكافأة مالية.
وتمنح براءات الاختراع الشركات المبتكرة احتكارا قصير الأجل للإنتاج لتغطية تكاليف تطوير المشروعات ولتشجيع الاستثمار.
بداية الاقتراح
في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020، تقدمت الهند وجنوب أفريقيا بمقترح التنازل المؤقت عن حقوق الملكية بهدف رفع حواجز براءات الاختراع التي تحول دون وصول المنتجات الطبية للجميع في الوقت المناسب وبأسعار مناسبة لإنهاء الوباء، وتوسيع نطاق إنتاجها وتصنيعها في الدول النامية.
وفي السادس من مايو/أيار الماضي ناقش مجلس منظمة التجارة العالمية في جنيف قرار التنازل المؤقت عن حقوق براءات الاختراع، وبدأت الدول المؤيدة للمقترح صياغة مشروع القرار المستند إلى الظروف الاستثنائية للجائحة، ونصوص اتفاقية "تريبس"، وبما يسمح بتسريع وصول اللقاحات إلى الدول النامية.
وبحسب "بي بي سي"، فإنه يُعتقد إن 100 دولة من دول منظمة التجارة العالمية، مؤيدة للخطوة.
يقول المؤيدون إن الإعفاء، إذا تمت الموافقة عليه، سيسمح بزيادة إنتاج اللقاحات، وتوفير جرعات أكثر بأسعار معقولة للدول الأقل ثراء.
واعتبر عدد من البلدان النامية أن القواعد التي تطالب دول العالم بحماية براءات الاختراع، وغيرها من أشكال الملكية الفكرية، تعد عقبة أمام زيادة إنتاج اللقاحات، وغيرها من المنتجات اللازمة للتصدي للوباء.
وتربط منظمات المساعدات العالمية بين حقوق الملكية وانعدام العدالة في توزيع اللقاحات حول العالم.
ووفق مؤسسة "دويتشه فيلا" تشير منظمة خبز للعالم الألمانية إلى أن واحدا من بين كل أربعة أشخاص في الدول المتقدمة تم تطعيمه فعليا، بينما الحال في الدول الفقيرة يبلغ واحد من بين كل 500 شخص.
وتشدد المنظمة على أن هذا التفاوت يوضح الحاجة الملحة لإنتاج المزيد من اللقاحات وتعليق حقوق الملكية الفكرية الضرورية - في ظل شروط محددة، وأضافت "لن يهزم كوفيد -19 إلا إذا كان التطعيم في كل مكان".
وفي المقابل، عارضت المفوضية الأوروبية في بداية اجتماعات منظمة التجارة العالمية فكرة تعليق العمل بحقوق الملكية الفكرية، لكونها تحافظ على حقوق الشركات وتحفزهم على مواصلة البحث والتطوير، فيما طالبت باريس بتقديم هبات لصالح الدول الفقيرة.
لماذا تحول الموقف الأمريكي؟
أعلنت الولايات المتحدة خلال اجتماع منظمة التجارة العالمية في مايو/آيار المنصرم عن دعمها رفع حماية حقوق براءات اختراع لقاحات كورونا مؤقتا، وذكرت الممثلة التجارية للولايات المتحدة، كاثرين تاي، إن "الأوقات غير العادية تتطلب إجراءات استثنائية".
وأضافت تاي أن الولايات المتحدة ستشرع الآن في مفاوضات في منظمة التجارة العالمية لمحاولة تأمين الإعفاء، لكنها حذرت من أن هذا قد يستغرق بعض الوقت.
ويأتي إعلان واشنطن فيما تتزايد الهوة بين الدول المحرومة والدول الغنية، وهو ما يؤثر على استعادة الاقتصاد العالمي لنشاطه، وهو ما يلقي بتبعاته على مختلف دول العالم وليست النامية أو الفقيرة فقط.
ووصف تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية، القرار الأمريكي بأنه "تاريخي" وقال إنه يمثل "لحظة تاريخية في الحرب على كوفيد-19".
موقف متأرجح للاتحاد الأوروبي
بعد تمسك المفوضية الأوروبية لحقوق الملكية الفكرية، غيرت من موقفها عقب التأييد الأمريكي للمقترح، إذ أعلنت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، في بيان صحفي أن الاتحاد الأوروبي مستعد أيضا لمناقشة أي مقترحات تعالج الأزمة بطريقة فعالة وعملية.
ثم دعت المفوضية الأوروبية مؤخرا إلى اللجوء إلى الترخيص الإجباري كوسيلة لتعزيز إنتاج اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في أنحاء العالم وتحقيق المساواة في التوزيع، لكنها امتنعت عن تأييد إلغاء الحماية على براءات الاختراع تماما.
وقالت المفوضية في بيان صحفي إن الترخيص الإجباري يسمح للحكومات بمنح تراخيص من أجل تصنيع منتج محمي ببراءة اختراع أو استخدام عملية بدون تصريح مالك هذه البراءة.
ومن ضمن الإجراءات أن الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تقوم برفع قيود التصدير المفروضة على جرعات اللقاحات المضادة لكوفيد-19، وتعزيز الطاقة الإنتاجية في الدول متدنية الدخل.
رؤية شركات الأدوية
عبرت شركات الأدوية عن معارضتها للتنازل المؤقت عن حقوق الملكية الفكرية، وأصرت على أن براءات الاختراع ليست العقبة الرئيسية، وحذرت من أن هذه الخطوة يمكن أن تخنق الابتكار.
وقال رئيس الاتحاد الدولي لمصنعي الأدوية ورابطاته، توماس كويني، لبي بي سي إن نقل التكنولوجيا يجب ألا يُفرض.
ونقلت "دويتشه فيلا" عن مدير الاتحاد الدولي لشركات الأدوية/ IFPMA توماس كويني، أن تعليق حماية براءات الاختراع لن يزيد العرض جرعة واحدة على المدى القصير".
وأضاف أن المقترح يتجاهل التعقيدات التي تعمل فيها شركات تصنيع اللقاحات، والمدى الذي تعمل فيها هذه الشركات وشركات الأدوية والدول النامية معا لغرض تصنيع اللقاحات.
تحذيرات من 9 تريليونات خسائر محتملة
حذرت دراسة أعدتها جامعة هارفارد من خسائر عالمية بنحو 9 تريليونات دولار، حال سيطرة الدول الغنية على لقاحات كورونا وإهمال الدول الفقيرة.
وتقول الدراسة التي نشرتها صحيفة الجارديان، إن محاولة سيطرة الدول الغنية على لقاحات كورونا سيكلفها ما لا يقل عن 4.5 تريليون دولار من اقتصادها المنهار بسبب الجائحة.
واهتمت الدراسة بالتأثير الاقتصادي لعملية التلقيح في العالم، وتوصل الباحثون في عدد من المؤسسات إلى أن تطعيم البلدان الفقيرة ضد فيروس كورونا ليس مجرد واجب أخلاقي ولكنه ضرورة اقتصادية.
وأشارت الدراسة إلى أنه في حالة تطعيم سكان الدول الغنية مثل المملكة المتحدة في بضع شهور، وترك الدول الفقيرة، فإن الخسائر العالمية ستصل هذا العام إلى 9 تريليونات دولار.
وقالت الدراسة إن الاقتصادات الغنية تعتمد على سلاسل التوريد الدولية مثل مواد البناء وقطع غيار السيارات والمنسوجات من البلدان غير المحصنة، وبالتالي ستتحمل ما يقرب من نصف تكلفة هذا العبء الاقتصادي، وأضافت أن الانتشار المستمر للوباء في الأسواق النامية والناشئة سيعني عددًا أقل من العملاء للصادرات من الدول الغنية.
وأظهر تقرير غرفة التجارة الدولية، أن تكلفة التمويل الكامل لبرامج منظمة الصحة العالمية لتقديم لقاحات وعلاجات كورونا إلى البلدان النامية بعيدًا عن أهداف التمويل لعام 2021 بلغ نحو 27 مليار دولار.
وحذر البنك الدولي من أن تزايد الإصابات بكوفيد-19 وتأجيلات توزيع اللقاح، قد يكبح تعافي الاقتصاد العالمي إلى 1.6% فقط هذا العام.
وقال البنك الدولي، في تقرير سابق، إن الاقتصاد العالمي من المتوقع أن ينمو 4% في 2021 بعد أن انكمش 4.3% في 2020.