مستقبل روسيا في نظام «متعدد الأقطاب».. نقاط قوة وهدية مناخية

رغم التحديات التي تواجهها، تظهر روسيا قدرة على التكيّف مع التحولات الجيوسياسية والمناخية العالمية، تجعلها رقما صعبا بنظام متعدد الأقطاب.
وتشير مجلة "فورين بوليسي" إلى أن روسيا تملك خيارات واسعة برزت نتيجة لتحولات عدة، من بينها انتقال مركز الثقل الاقتصادي من أوروبا إلى آسيا، وانقطاع الروابط الغربية بسبب حرب أوكرانيا، والتغير المناخي، وفتح المجال أمام الملاحة في القطب الشمالي.
بالإضافة إلى إمكاناتها في مجال الطاقة المتجددة. ناهيك عن ترحيب شعوب وحكومات في آسيا والجنوب العالمي بنهوض روسيا كـ"قوة قوية".
وترى المجلة، أن روسيا قد لا تتمكن من استعادة مكانتها السابقة كـ"قوة عظمى" في حقبة الحرب الباردة، إلا أن امتلاكها لمصادر جديدة للقوة والمرونة، إلى جانب كونها قوة نووية، قد يسمح لها بلعب دور مؤثر في السياسة العالمية.
ووفق المجلة، هناك بوادر نهضة -يتجاهلها الكثيرون- تشير إلى ظهور "روسيا مختلفة".
وأكدت أن التوجه الروسي نحو الشرق مجرد رد فعل على العقوبات الغربية، بل تحول استراتيجي بدأ منذ تسعينيات القرن الماضي مع تسوية النزاعات الحدودية مع الصين.
بنية تحتية جديدة
مع تراجع التجارة مع أوروبا، تسرع روسيا وتيرة تطوير شبكات النقل البرية والبحرية نحو الأسواق الآسيوية. فخط سكك حديد سيبيريا، الذي تبلغ طاقته الحالية 180 مليون طن، يستهدف زيادة طاقته إلى 270 مليون طن بحلول 2032.
كما تعمل موسكو مع الهند على مشروع الممر البحري الشرقي (فلاديفوستوك - تشيناي)، في حين تُنشئ مع الصين روابط نقل برية عبر آسيا الوسطى. ولا يُمكن إغفال أهمية طريق بحر الشمال في القطب المتجمد، الذي يختصر زمن الشحن بين آسيا وأوروبا بنسبة 50%، ويُستخدم حاليًا لنقل الغاز المسال إلى اليابان والصين، مع توقعات بتحوّله إلى شريان تجاري رئيسي.
القطب الشمالي: ساحة تنافس واستثمارات عسكرية
في الوقت ذاته، بات القطب الشمالي بؤرة الاستراتيجية الروسية، حيث أعادت موسكو تطوير قواعد عسكرية ومطارات، وبدأت دوريات بحرية مشتركة مع الصين عام 2024.
ويشمل التعاون بين البلدين استخراج الموارد الطبيعية والبحث العلمي، لكنه يثير مخاوف غربية من تحوّل المنطقة إلى ساحة نفوذ صيني-روسي.
في المقابل، يُهدد ذوبان الجليد الدائم بانبعاثات هائلة من غاز الميثان، ما قد يفاقم الأزمة المناخية العالمية.
التغير المناخي: مكاسب زراعية غير متوقعة
وتوقع التقرير، أن تصبح روسيا من أكبر الرابحين من ارتفاع درجات الحرارة. فوفق دراسات في مجلة نيتشر (Nature)، يتوقع أن ترتفع الإنتاجية الزراعية في شمال غرب البلاد بنسبة 20% مع إضافة 4.3 مليون كم من الأراضي الصالحة للزراعة بحلول 2050.
هذه التغييرات قد تعزز الاقتصاد الروسي، خاصة مع توقعات صندوق النقد الدولي بزيادة متوسط دخل الفرد في مناطق عدة.
الطاقة: نووية تقليدية ومتجدّدة مُهمَلة
ولا تزال روسيا تعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز، لكنها تحتفظ بإمكانات هائلة في الطاقة النظيفة. فطبقًا لوكالة الطاقة الدولية، تمتلك أكبر احتياطي تقني للطاقة المتجددة عالميًا، لكن العقوبات ونقص التكنولوجيا المحلية تعيق استغلالها.
في المقابل، تُهيمن شركة "روس آتوم" الحكومية على سوق المفاعلات النووية العالمية، حيث تُشارك في بناء أكثر من 35 في المائة من المفاعلات الجديدة، وفقًا لتقرير "فاينانشال تايمز".
تحالفات دولية: شراكات مرنة وتوترات غربية
وتعيد روسيا تشكيل تحالفاتها في ظل نظام عالمي متعدد الأقطاب. ففي الجنوب العالمي، تُعتبر موسكو قوة توازن ضد الهيمنة الغربية، في حين تعزز شراكتها مع الهند عبر مشاريع بنية تحتية مشتركة.
كما يُلاحظ تقارب مع كوريا الشمالية، رغم امتعاض الصين من خروج بيونغ يانغ من عزلتها. لكن العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية تظل متوترة، تشبه الموقف الأوروبي السلبي.
وخلص التقرير إلى أن روسيا اليوم لا تُشبه الاتحاد السوفياتي، ولا يمكن اختزال مستقبلها في صراع مع الغرب أو تبعية للصين. فقدرتها على توظيف التحولات المناخية، وتعزيز البنى التحتية، وبناء شبكة تحالفات مرنة، قد يمكنها من لعب دور مؤثر كقوة مؤثرة في نظام عالمي متعدد.
لكن نجاح هذا المسار مرهون بمعالجة التحديات الداخلية، وإدارة علاقة معقدة مع بكين، واستعادة جاذبيتها كوجهة للاستثمارات والعقول، وفق المصدر ذاته.
aXA6IDMuMTQxLjEwNi43NCA= جزيرة ام اند امز