«مصلحة الأعضاء أولا».. هل تنجو الدول من قبضة ديون صندوق النقد؟
تتعثر الدول اقتصاديا وتلجأ في الأغلب للديون باعتبارها طوق نجاة للوقوف مرة أخرى، وكلما اشتدت حدة الأزمة كان صندوق النقد في مقدمة الحلول.
حقوق السحب الخاصة.. والحفاظ على أموال الأعضاء
ويتساءل الكثيرون حول مدى تطبيق صندوق النقد الدولي معايير تضمن الحفاظ على التنمية، ومدى مراعاة المعايير الأساسية المطلوبة لتنمية كل دولة؟.. عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع وليد جاب الله يجيب عن ذلك، بأن الصندوق عبارة عن “جمعية” تم تجميع رأسمالها من الدول الأعضاء، لذا فإن مهمته الأساسية الحفاظ على حصص المساهمين وعدم الإضرار بأموالهم.
الأموال التي يقرضها صندوق النقد لأعضائه بشروطه العامة -أو غير الميسرة- تأتي من البلدان الأعضاء، وذلك من خلال سداد حصصها في الأساس، ويمكن للترتيبات المتعددة الأطراف والثنائية أن تكمل أموال الحصص وتلعب دوراً حاسماً في دعم الصندوق للبلدان الأعضاء في أوقات الأزمات.
ويعتمد الصندوق في حساباته على وحدة تسمى "حقوق السحب الخاصة" (تعادل 1.320810 دولار)، وهي أصول احتياطية دولية ليست عملة في حد ذاتها، حيث تعتمد قيمتها على سلة تتكون من 5 عملات: الدولار الأمريكي واليورو والرنمينبي الصيني والين الياباني والجنيه الاسترليني البريطاني.
وتبلغ مواد صندوق النقد الدولي الحالية 982 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، تترجم إلى قدرة على الإقراض بنحو 695 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (نحو 932 مليار دولار أمريكي)، حتى منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023، وفقًا لموقع الصندوق.
تدين 94 دولة لصندوق النقد، بقيمة 111.098 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (146.742 مليار دولار) حتى 1 مايو/أيار 2024، حسب البيانات الصادرة على موقعه الرسمي.
التقارب بين الدول والحكومات
وأشار جاب الله، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، إلى أن نجاح أو فشل برامج الإصلاح مع الصندوق تعتمد على وجود تفاهم وتفاوض حقيقي بينه وبين الدول، حيث يقدم قوالب جاهزة ويكون واجب الحكومات عرض واقعها المحلي، ليتم التنسيق ما بين “الروشتات المعلبة” التي يقدمها المقرض الدولي والوضع المحلي، فالتقارب بين البعدين هو الذي يخلق النجاح، لكن إذا كان الاتفاق بعيدًا عن الواقع فإنه لا يحدث نجاح.
وتابع الخبير الاقتصادي أن الاتفاق مع الصندوق لا يعد في ذاته معيار نجاح أو فشل، بل الأهم بنود الاتفاق بأن يكون عادلًا ويراعي الأبعاد والظروف والواقع المحلي للدول، ويقوم على مبدأ تكافؤ متعادل بين الطرفين وعدم وجود ضغوط من طرف على الآخر.
وحول اهتمام صندوق النقد بالتدخل في السياسات الاقتصادية للدول، ذكر جاب الله أنه ليس المؤسسة الوحيدة المقرضة، فهو يهتم في تخصصه بماليات الدول وعدم وجود عجز مزمن وتحقيق فائض أولي والمحافظة على الاحتياطي النقدي، أي أن مهمته مالية ونقدية في المقام الأول.
وشدد: “لا يجب إلقاء اللوم على طرف صندوق النقد أو الدول المتعاونة معه فالمسؤولية مشتركة بين الطرفين”.
تأثير تصاعد الديون
صندوق النقد، الذي تشارك فيه 190 دولة، تتصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، بالنصيب الأكبر، حيث تبلغ حصتها نحو 17.43% من إجمالي الحصص، كان بمثابة طوق نجاة بالنسبة لبعض الدول، ولكنه كان لعنة على دول أخرى، فعلى الرغم من أن بعض هذه الدول أصبحت كيانات اقتصادية محترمة في الوقت الراهن، لكنها عندما اقترضت من الصندوق، تسببت في كوارث كبرى.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، حذرت الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، ربيكيا غرينسبان، من أن تصاعد ديون الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أضر بفرصها في التنمية المستدامة، مضيفة أن بين 70 و85% من الديون التي تتحملها البلدان الناشئة ذات الدخل المنخفض هي بعملة أجنبية، ما جعلها عرضة بشكل كبير للهزات في العملات الكبيرة، وسط حاجة السكان للدعم المالي من حكوماتهم.
وذكرت عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الأسبق عالية المهدي أن نجاح برامج الصندوق يتوقف على كيفية إدارة الدول لأمورها الاقتصادية، فالصندوق دوره الإصلاح المالي، ولا يلعب دورا في الإصلاح الهيكلي، مشيرة إلى أن مصر بدأت برنامجا مع الصندوق عام 2016، لكنه فشل بسبب عدم التزام الدولة بالمعايير.
“جريمة في حق الشعب” بهذه الكلمات عبرت المهدي في تصريحها لـ"العين الإخبارية"، عن الدول التي تستدين بشكل تعجز معه عن السداد أو يأكل أغلب إيراداتها لسداد الديون الخارجية، في ظل عدم وجود إنتاج محلي لسداد هذه الديون.
ولفتت إلى أن الأمر يزداد تعثرا في حال عدم امتلاك الدولة موارد ذاتية وقدرة على الإنتاج، لسداد جزء من هذه الديون، لتصبح عبئا على كاهل الشعوب.
قصة فشل
ويجمع الأرجنتين وصندوق النقد تاريخا صعبا يمتد لسبعة عقود، وفي 2018 أصبحت أكبر مدين للصندوق، حيث تلقت خطة إنقاذ بقيمة 57 مليار دولار للمساعدة على الخروج من أزمة اقتصادية اتسمت بارتفاع التضخم وعجز كبير في الميزانية، لكنها فشلت في الوقوف على قدميها من جديد.
ومع مرور الوقت أصبح ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية على وشك الدخول في حالة من الركود، مع ارتفاع التضخم إلى أكثر من 100% واحتياطياتها من الدولار في المنطقة الحمراء.
وفشلت الحكومة الأرجنتينية في تحقيق الأهداف الاقتصادية المتواضعة التي فرضها قرض صندوق النقد الدولي لعام 2022، المصمم لإعادة تمويل 44 مليار دولار لا تزال مستحقة من البرنامج السابق.
قصة نجاح
وفي عام 2002، مرت تركيا بأزمة اقتصادية قاسية سبقتها أوضاع مالية سيئة، تمثلت في انخفاض معدل النمو وزيادة معدلات التضخم وارتفاع عجز الموازنة، وتراجع أداء القطاعات الاقتصادية والاستثمارات، وانخفاض الاحتياطي الأجنبي، وارتفاع معدلات البطالة.
ولجأت الدولة إلى صندوق النقد لتجاوز الأزمة، الذي فرض عليها مجموعة من الشروط، تضمنت إجراء عدة إصلاحات اقتصادية، منها تشجيع ودعم أنشطة الأعمال وتحريرها من القيود القانونية، وخلق مناخ استثماري جاذب، وخصخصة القطاع العام، وتحرير سعر صرف العملة المحلية "الليرة"، وتطبيق نظام سعر صرف مرتبط بالدولار.
وعلى الرغم من صعوبة التجربة، فإنها لم تكن فاشلة، حيث تمكنت الحكومة التركية من التفاوض مع الصندوق للوصول إلى شروط أخف حدة، وتبنت برنامجا متكاملا للإصلاح الاقتصادي، تناسب مع ظروفها وطبيعتها.
وفي عام 2015، نجحت الحكومة التركية في تسديد كافة ديونها لصندوق النقد الدولي.