مع مواصلة رفضها شروطه.. تحرك مفاجئ من «صندوق النقد» تجاه تونس
وضع مجلس صندوق النقد الدولي، تونس لأوّل مرة منذ انضمامها للصندوق عام 1958، ضمن قائمة سلبية إلى جانب فنزويلا واليمن وبيلاروسيا وتشاد وهايتي وميانمار.
ويأتي ذلك إثر تأخّر استكمال تونس وممثلي الصندوق المشاورات بموجب المادة الرابعة المتعلّقة بمراجعة الأداء الاقتصادي التونسي، وتأخر ذلك لمدة تجاوزت الـ18 شهراً، بالإضافة إلى الفترة العادية الممنوحة وهي 15 شهراً.
وترفض تونس الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي وتعتبرها إملاءات من شأنها أن تهدد السلم الأهلي في البلاد خاصة وأن تونس تحتفي هذه السنة بمرور 40 سنة على أحداث الخبز التي اندلعت بسبب شروط كانت قد فرضها الصندوق على الحكومة التونسية التي كان يرأسها محمد المزالي في 3 يناير/كانون الثاني 1984.
ويوضّح الصندوق الأسباب التي بموجبها يتم هذا التصنيف ضمن قائمة سلبية، بتأخّر المناقشات مع سلطات الدول بشأن الأمور الاقتصادية والسياسات المعتمدة أو بسبب الوضعين السياسي أو الأمني أو لتغيير بعض الدول حكوماتها بسبب الانتخابات أو لقرارات بتغيير أعضاء الحكومات.
كما يرجع الصندوق تأخّر هذه الدول إلى ورود طلب من سلطات بعض الدول تأخير اللقاء لبحث هذه النقطة بسبب عدم قدرتها أو جاهزيتها لاستقبال وفد من الصندوق نتيجة لجدول أعمال هذه الحكومات بسبب عدم وجود اتفاق على مواعيد وعدم إعلان السلطات عن مواعيد لاستقبال بعثة صندوق النقد للتشاور بخصوص المادة الرابعة.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي علي الصنهاجي لـ"العين الاخبارية" إن تونس قد أعلنت في السادس من ديسمبر/كانون الأول الماضي عدم جاهزيتها لاستقبال وفد مشاورات من صندوق النقد الدولي لالتزام وانشغال الحكومة بوضع قانون ميزانية 2024.
ويرى الصنهاجي أن السلطات التونسية حسمت موقفها من صندوق النقد الدولي برفضها للشروط المقدمة من هذه المؤسسة الدولية مقابل منحها القرض؛ حيث تم اعتبارها إملاءات تهدد السلم الاجتماعي في تونس .
ويشترط صندوق النقد الدولي على تونس مقابل منحها القرض، إصلاحات تتمثل في خفض الدعم وتقليص تكلفة الأجور العامة وخصخصة المؤسسات الحكومية التي تعاني أزمات مالية.
وأكد الصنهاجي أن سياسة الدولة ورئيسها قيس سعيّد ترتكز على الدور الاجتماعي للدولة، والمتمثّل أساسا في المحافظة على دعم المواد الأساسية والمحروقات وعدم بيع المؤسّسات الحكومية، وهو ما يعارضه صندوق النقد الدولي ويرفضه.
وأكّد أنّ صندوق النقد الدولي يتعامل مع جميع الدول بالسياسات نفسها، موضحاً أن السلطات التونسية تعمل على إيجاد حلول داخلية لتعبئة مواردها دون الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي وهو ما تقوم بإجرائه الحكومة التونسية من خلال التقليص في الاستيراد والترفيع في التصدير وتوسيع القاعدة الضريبية في الدولة والترفيع في الجباية والضرائب.
وتابع أن تونس تعمل على تطوير الاستثمارات في البلاد وتحسين السياحة وقطاع الفسفات إضافة إلى العمل على استرجاع الأموال المنهوبة من الخارج من أجل دعم الموازنة.
وكان مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق جهاد أزعور قد أعلن عن زيارة فريق صندوق النقد الدولي خلال الاجتماعات السنوية 2023 لمجموعة البنك والصندوق الدوليين، التّي انعقدت من 9 وحتّى 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمدينة مراكش بالمغرب مع تأكيد محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العبّاسي، تلك الزيارة خلال الاجتماعات ذاتها.
وللتذكير فإنّ المحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد في إطار آلية تسهيل الصندوق الممدد مازالت عالقة لأكثر من سنة وكان صندوق النقد والسلطات التونسيّة قد توصلا في أكتوبر/تشرين الأول 2022 لاتفاق على مستوى الخبراء لدعم السياسات الاقتصادية لتونس ببرنامج يمتد على 48 شهراً بعنوان آلية تسهيل الصندوق الممدد بقيمة تناهز 1.9 مليار دولار لكن لم يُعرض ملف تونس على مجلس إدارة الصندوق منذ ذلك التاريخ.
- تونس تنتفض ضد العطش.. هل تنجح إجراءات الحكومة لتخفيف وطأة الجفاف؟
- وزير النقل التونسي لـ«العين الإخبارية»: لا صحة لإفلاس الخطوط التونسية
تحسن مؤشرات الاقتصاد
وقد زاد احتياطي تونس من العملة الصعبة بأكثر من 3.5 مليار دينار ما يعادل 1 مليار دولار ما يمثل نمواً بـ121 يوم توريد على مدى سنة (من 5 يناير/كانون الثاني 2023 إلى التاريخ ذاته من 2024)، وفق ما أظهرته مؤشرات نقدية ومالية نشرها البنك المركزي السبت 6يناير/كانون الثاني 2024.
ويتجاوز هذا الاحتياطي اليوم قيمة 26،6 مليار دينار (ما يعادل 121 يوم توريد) مقابل 23 مليار دينار (ما يعادل 100 يوم توريد) بداية يناير/كانون الثاني 2023.
وساعدت الزيادة الهامّة على مستوى العائدات السياحيّة وتطوّر عائدات العمل خلال سنة 2023 على توفير هذا الاحتياطي.
وتطوّرت بدورها خدمة الدين الخارجي بنسبة 31،7% لتقدر قيمتها بـ11،7 مليار دينار في 2023 مقابل خدمة دين بقيمة 8،9 مليار دينار في 2022.
والجمعة 5 يناير/كانون الثاني الجاري، أعلن المعهد الوطني للإحصاء(حكومي) أن نسبة التضخم في تونس تراجعت خلال ديسمبر/كانون الأول 2023، إلى مستوى 8.1% بعد أن كانت في حدود 8.3%، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويعود هذا التراجع، حسب بيانات معهد الإحصاء، إلى تقلّص نسق الزيادة في الأسعار بين شهري ديسمبر/كانون الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 مقارنة بالفترة نفسها من السنة المنقضية.
أسباب رفض شروط صندوق النقد الدولي
والأربعاء 3 يناير/كانون الثاني الجاري، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد إن “الدولة التونسية لن تتخلى عن دورها الاجتماعي لأن الفقراء والبؤساء في تونس هم الذين قاموا بالثورة وانتفضوا ضد الظلم والاستبداد”.
وقال "تمر هذه السنة الذكرى الأربعين لأحداث ثورة الخبز التي كانت نتيجة رفع الدعم عن الحبوب ومشتقاتها"، مستعيداً ذكرى زميل دراسته فاضل ساسي (معارض يساري) الذي قُتل في تلك الاحتجاجات التي عمّت مختلف مدن البلاد من الجنوب وصولاً إلى العاصمة.
ويوم 3 يناير/كانون الثاني سنة 1984 بلغت انتفاضة الخبز في تونس ذروتها وذلك بوصول الاحتجاجات للعاصمة.
واندلعت أحداث الخبز عندما أعلنت حكومة محمد مزالي، بضغط من صندوق النقد الدولي الذي طالب تونس بتطبيق خطّة تقشّف، خفض الدعم على منتجات الحبوب، وهو الدعم الذي يشكل 10% من الموازنة العامة للدولة.
وقد ارتفع سعر منتجات الحبوب (المعكرونة والدقيق) بنسبة 110% وانتقل سعر الخبز على الفور من 80 إلى 170 مليمًا.
وباتت المواجهة مفتوحة بين المتظاهرين من ناحية وقوات النظام العام والجيش من ناحية أخرى، وأصبح العنف سيد الموقف فأحرقت المحلات والسيارات والمؤسسات والحافلات في شوارع العاصمة وضواحيها وفي كثير من المدن. ونجم عن ذلك إطلاق الرصاص وسقوط 89 قتيلاً والمئات من الجرحى في صفوف المتظاهرين. وفي يوم 6 يناير/كانون الثاني 1984، تراجع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عن هذا الإجراء.