يبدو بوضوح أن تجربة كورونا سوف تغير التفكير الفردي، وسوف يكون الإنسان مستعدا لإضافة قيم جديدة على ثقافات العالم
الكل يتحدث عن التغيرات التي سوف يحدثها كورونا سياسيا واقتصاديا، وبما أن إنسان العالم اليوم هو جزء من عملية الاستهلاك والإنتاج، فإنه لن يكون له الخيار في رفض تلك التغيرات المرتبطة بالاقتصاد والسياسة، ولكن هنا سؤال يدور حول الفرد في كل أنحاء العالم، هذا السؤال يقول: هل سيغير كورونا طريقة التفكير على المستوى الفردي والثقافي؟ أم أنه مرحلة زمنية سوف تمر دون تأثير ويصبح الحجر الصحي والاهتمام بالنظافة والحذر من المخالطة ولمس الأسطح مجرد تاريخ.
يقال تاريخيا إن الذاكرة البشرية قصيرة، وهذا ما يؤكد أن تأثر الفرد عالميا لن يكون بالدرجة نفسها التي تأثر بها الاقتصاد والسياسة، وهما الأكثر تضررا مع هذا الفيروس، التجربة الإنسانية في حالات الوباء غالبا ما ترتبط بالمحيط الأسري خصوصا عندما يفقد أحد أفراد الأسرة نتيجة الإصابة بالوباء المنتشر، اليوم يشير الحس العام إلى أن الأفراد يمكنهم تغيير طريقة تفكيرهم حول مواجهة الأوبئة، ولكن هذه القاعدة قد تبدو مؤقتة؛ فكما قلنا الذاكرة البشرية قصيرة جدا ولا يمكنها المثابرة لوقت طويل.
صحيح أن هناك كثيرا من الأخطاء التي تسببت في انتشار هذا الوباء بهذه السرعة والكمية، ولكن الحقيقة أن السرعة ذاتها سوف تكون هي السبب في نسيان التجربة ومتطلباتها
صحيح أن هناك كثيرا من الأخطاء التي تسببت في انتشار هذا الوباء بهذه السرعة والكمية، ولكن الحقيقة أن السرعة ذاتها سوف تكون هي السبب في نسيان التجربة ومتطلباتها، ومن الأشياء المثيرة التي مرت بي عبر إحدى الكتابات أن العالم كان ينتظر من عام 2020 أن يكون عام التجربة البشرية الثرية تقنيا وعلميا، وأن الإنسان سوف يكون في حماية التقنية من كل شيء تقريبا، ولكن عام 2020 فاجأنا بأنه عام يعود فيه البشر إلى تعلم غسل أيديهم والمحافظة على نظافة ما حولهم!
هذه مفارقة عجيبة تدعو فعليا إلى التساؤل، وكل ما يقلق البشرية أن القرن الحادي والعشرين قد يكون مصابا بالفيروسات، خصوصا تلك الفيروسات التي تصيب الأجهزة التنفسية للبشر، وهذا أمر مقلق، ويبدو لي أنه مهما قيل عن أن البشر لن يتعلموا الدرس من كورونا فيما يخصهم وأن التزامهم وحرصهم الصحي قد يبدو مؤقتا.. إلا أنه علينا أن ندرك أن البشرية أصبحت أكثر حذرا من أي وقت مضى بفعل التجربة الإنسانية الحديثة.
يبدو بوضوح أن تجربة كورونا سوف تغير التفكير الفردي، وسوف يكون الإنسان مستعدا لإضافة قيم جديدة على ثقافات العالم تكون متخصصة بالحماية الذاتية، ومن المتوقع أن تنشئ الثقافات العالمية قيما جديدة تعمل كأجهزة دفاعية تشبه كريات الدم البيضاء لحماية الفرد ورفع درجة الحذر لديه إلى أقصى درجاتها مع ظهور الأوبئة والأزمات الصحية، مستقبلا قد تصبح العوامل الثقافة بقيمها ومعاييرها هي الأكثر شيوعا في محاربة الأوبئة بجانب الأدوية والسلوكيات الطبية، لكل تلك الأسباب يبدو جليا وخلف عمق التجربة البشرية مع كورونا أن هذا الوباء سوف يكون قادرا على تغيير طريقة التفكير على المستوى الفردي والثقافي أيضا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة