المستوى الثاني هو دعوة مصر لوجود "وسيط قادر" على المساعدة في حلحلة الخلاف، وفي هذا المجال قبلت مصر فوراً مبادرة واشنطن
أختلف تماماً مع الزملاء والأصوات التي ترى أن مصر تتعامل مع ملف "سد النهضة" بشكل غير سليم.
جر مصر إلى هذه الحرب ليس صدفة وليس عملاً بريئاً، لكنه عمل ممنهج يهدف إلى تأجيل مشروع "مصر القوية" الذي نحلم به جميعاً
وأود أن أطرح وجهة نظري بموضوعية، "محترماً" رأي كل من قد يخالفني؛ لأن المسألة هي مسألة وطنية تتعلق بشريان الحياة لكل المصريين.
من هنا لا بد أن نقول أولاً الآتي:
1- مسألة ملف مياه النيل هي مسألة تاريخية ومعقدة، بدأت مؤشراتها منذ أكثر من 40 عاماً.
أ- الوضع تتداخل فيه 3 عناصر جوهرية:
ب- اتفاق تعاقدي دولي منظم.
ج- عنصر قوة يتعلق بأن أساس الخلاف هو مع دولة المصب، بمعنى أنها فعلياً هي الطرف الذي يملك التحكم في حصة المياه.
3- الوضع الجغرافي يجعل من إثيوبيا كهدف عسكري استراتيجي غير ملاصق جغرافياً، بمعنى أنها ليست دولة حدودية، ولا سبيل للتعامل معها بشكل عملياتي إلا من خلال قصف جوي أو قصف صاروخي أو عمل نشاط بحري.
وخيار العمل العسكري ممكن لكنه صعب ومكلف، وتهدده مسألة طول خطوط الإمداد والتموين والدعم بسبب المسافة الجغرافية لمسرح العمليات.
وما قامت به مصر هو استخدام كافة وسائل التعامل مع الموقف:
1- التفاوض الثنائي مع إثيوبيا.
2- التفاوض الثلاثي بحضور السودان.
3- تدخل الاتحاد الأفريقي.
4- محاولة تفعيل اتفاقية حوض النيل.
5- اللجوء إلى إدخال لجان فنية عالمية متخصصة.
والآن يتم العمل على مستويين.. أولاً مستوى اللقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء "آبى" في سوتشي، على هامش القمة "الروسية-الأفريقية".
المستوى الثاني هو دعوة مصر لوجود "وسيط قادر" على المساعدة في حلحلة الخلاف، وفي هذا المجال قبلت مصر فوراً مبادرة واشنطن لاستضافة جلسات حوار وتفاوض في العاصمة الأمريكية.
ويدرك الرئيس السيسي أن أولوية مصر هي التفرغ، وإعطاء الأولوية لكافة مواردها من أجل التنمية المستدامة وحل مشكلات الاقتصاد المصري.
ويدرك أيضاً الرجل جيداً أن هناك محاولات لجر مصر بقوة إلى استنزاف قوتها في صراعات إقليمية وجذبها إلى حرب بحرية في المتوسط ضد عمليات قرصنة الغاز التركية، وجذبها أيضاً إلى حرب أخرى في البحر الأحمر تجاه إثيوبيا.
إذن الرئيس السيسي يدرك ذلك منذ أن كان رئيساً لجهاز الاستخبارات العسكرية والاستطلاع، ثم وزيراً للدفاع كان همه الأول هو تسليح مصر بالعتاد اللازم لخوض أي حرب إقليمية خارج حدود مصر إذا دعت الحاجة القصوى، خاصة حينما يكون الصراع هو حماية ثرواتها في الطاقة أو المياه أو كلتيهما.
جر مصر إلى هذه الحرب ليس صدفة، وليس عملاً بريئاً، لكنه عمل ممنهج يهدف إلى تأجيل مشروع "مصر القوية" الذي نحلم به جميعاً.
من هنا ليس مصادفة أن يسعى جيش مصر إلى التسلح بطائرات "الرافال" الفرنسية متعددة المهام وذات المدى البعيد، ليس صدفة أن يتم شراء الغواصات الألمانية، وحاملتي الطائرات الفرنسية، وتدعيم سلاحي الدفاع الجوي والبحرية.
والآن تسعى مصر للحصول على الطائرة "سوخوي 35" روسية الصنع التي تعتبر واحدة من أقوى ما أنتجته ترسانة صناعة سلاح الجو العالمية.
إذن.. مصر تتفاوض وتقبل بالوساطة وتحاول أن تستنفد الدبلوماسية إلى آخر مدى، وتتسلح بأقوى ترسانات السلاح التي جعلتها تقفز من المركز الـ17 إلى المركز التاسع في ميزان التسلح العالمي.
ولعل مقولة الجنرال العبقري "مونتجمري" بطل معركة العلمين الشهيرة تصدق اليوم أكثر من أي وقت مضى، والتي تقول: "أكثر من يدرك مخاطر الحروب هم الجنرالات".
أما المفكر العسكري ليدل هارت فكان يقول: "بينما أنت تستعد للتفاوض استعد أيضاً للحرب".
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة