الغريب هو ضبابية المشهد بالسودان، هناك في قوى المعارضة بقايا إسلاميين من جماعة مؤتمر البشير والترابي.
«رابعة واللؤلؤة والقيادة العامة اعتصامات فُضّت بعنف».
هذا هو العنوان الذي وضعته «بي بي سي» البريطانية، عما يجري بالسودان، وهو عنوان معبّر عن النفس اليساري الفوضوي الذي يسيّر ثقافة «بي بي سي» ومثيلاتها، الغربية، مثل «سي إن إن»، أكان ذلك بلغتها الأصلية، أم بالخدمة العربية، والعربية أشد وأنكى!
السؤال هو: ما هي ثقافة -ومصلحة- بعض الإعلام في هذه التغطية المثيرة؟ ماذا نريد للسودان؟ أليس العدل والأمن.. والبعد عن حكم الإخوان ومن يلفّ بمدارهم؟ لنعزز ذلك، بالسياسة.. والإعلام.
ما يجري بالسودان حالياً، لا شك أنه محزن، مثير للانزعاج، كما أن سقوط أي قتيل أو جريح، من المدنيين أو العسكر، أمر لا يسرّ السودان ولا شعبه ولا من يحب أهل السودان ويريد لهم الخير. لسنا بحاجة إلى بلد جديد ينضم لركب الفوضى والحروب الأهلية التي خلفها ما يسمى الربيع العربي المسموم.
هناك رغبة عارمة لدى صناع ذلك «الربيع الزرنيخي» القاتل، بإعادة الجثث للحياة، وأخطر وأبشع أمر يحصل هو رؤية الموتى يسيرون، كما تخيلته السينما المثيرة دوماً!
حسناً، هل يعني ذلك عدم مشروعية مطالب أهل السودان من المجلس العسكري الانتقالي؟ قطعاً لا، وثمة مفاوضات كانت تجري بين العسكر والقوى التي تسمي نفسها قوى الحرية والتغيير، ومن الطبيعي أن تكون هذه المفاوضات صعبة وبها «كرّ وفرّ»، فنحن نتحدث عن تركة رجل عسكري «فهلوي» صاحب تأسيس إخواني أو «كوز» كما هو لقب «الإخوان» هناك، وتفكيك هذه التركة أمر معقّد.
الغريب هو ضبابية المشهد بالسودان، هناك في قوى المعارضة، بقايا إسلاميين من جماعة مؤتمر البشير والترابي - والترابي نفسه وترابيوه، كانوا قد تحولوا لمعارضة البشير بعدما ركلهم الأخير خارج الحكم - وهناك قوى يسارية محترفة، وهناك أحزاب تقليدية مثل حزب الأمة. هذا ما نعرفه ظاهراً، ومن «المؤكد» وجود قوى أخرى لا نعرفها، هكذا علّمتنا الأحداث عبر الربيع العربي، وإلى الآن تجري التحقيقات وتكشف المعلومات عما جرى بميدان التحرير المصري ورابعة والنهضة، وعما جرى من إيران بميدان اللؤلؤة البحريني إبان المدّ الفوضوي بسنوات الربيع الزرنيخي.
عما يجري بالسودان حالياً، نائب رئيس المجلس العسكري، الجنرال «حميدتي» الرجل «الواعر» قال صراحة: «لن نسمح بالفوضى ولن نرجع في قناعتنا، ويجب فرض هيبة الدولة بالقانون». وربما تنبه بعض العقلاء، وما أكثرهم بالسودان لخطورة ما يجري، فدعا تجمع المهنيين السودانيين، إلى الالتزام بسلمية الحراك وعدم الانجرار إلى العنف.
السؤال الأخير، أن تنجرف «الجزيرة» ونجومها للتحريض على الفوضى بالسودان، وتغطي «بي بي سي» وشبيهاتها الوضع بالسودان بطريقة مثيرة، فهذه شنشنة نعرفها مذ أخزم، السؤال هو: ما هي ثقافة -ومصلحة- بعض الإعلام في هذه التغطية المثيرة؟ ماذا نريد للسودان؟ أليس العدل والأمن.. والبعد عن حكم الإخوان ومن يلفّ بمدارهم؟ لنعزز ذلك، بالسياسة.. والإعلام.
الرحمة الخالصة للضحايا المدنيين، وحمى الله السودان الكبير.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة