المرشد الإيراني علي خامنئي ليس أمامه إلا الخضوع وتجرع السم كما فعل الخميني عندما صالح صدام.
هناك ثلاثة شروط من الشروط الاثنتي عشرة التي طرحها بومبيو على إيران، منها ثلاثة شروط جوهرية، لا أعتقد أن الأمريكيين سيتنازلون عنها، ولاسيما أن الإيرانيين أتوا إلى طاولة الحوار راضخين وغير مختارين، وهذه الشروط الثلاثة أولها: التخلي بصفة دائمة عن تخصيب اليورانيوم بمعدلات تمكنهم من إنتاج السلاح الذري الثاني: التخلص من إنتاج الصواريخ البالستية بعيدة المدى. الثالث: الكف عن السلوك التوسعي والتدخل في شؤون دول المنطقة، والانتقال من صيغة (الثورة) إلى صيغة (الدولة). وفي المقابل فإن جمهورية الملالي إذا قبلت بهذه الشروط فإن مشروعها التوسعي الذي صرفت عليه المليارات طوال الأربعة عقود الماضية يعني عمليا أنه انتهى إلى الفشل.
الإيرانيون مضطرون الآن للانتقال من مرحلة (ما يجب أن يكون) إلى التعامل (مع ما هو كائن)، أو بلغة أخرى من طموحاتهم الأيديولوجية المجنونة إلى التعامل مع الواقع بشروطه؛ فهل ستبقى إيران إذا تحولت من الثورة إلى الدولة؟
وفي الوقت نفسه، فإن العقوبات أثناء الحوار ستبقى سيفا مصلتا على أعناق الملالي، بالشكل الذي يجعل قدرتهم على المناورة محدودة، لأن الوقت في هذه الحالة سيكون في مصلحة أمريكا، وكل يوم يمضي سيشكل ضغوطاً على الإيرانيين، وليس على الأمريكيين. لذلك فالإيرانيون ومن خلال الاتصالات غير المباشرة الآن يسعون إلى رفع العقوبات ليجلسوا مع الأمريكيين على طاولة الحوار، وهذا ما فهمته من تصريح بومبيو أنهم يقبلون بالحوار دون شروط مسبقة. الأمريكيون وحلفاؤهم هم الآن في مرحلة القوة، بينما الإيرانيون ليس في أيديهم أي ورقة يساومون عليها سوى جعجعة وتهديدات قادة الحرس الثوري، التي علمتنا الأحداث أنها مجرد جعجعات لا ترقى إلى مرحلة الفعل.
المرشد الإيراني علي خامنئي ليس أمامه إلا الخضوع وتجرع السم كما فعل الخميني عندما صالح صدام.
المهم الآن ثبت ما كنا نقوله ونردده، وهو أن عصر الإمبراطوريات الدينية عصر مضى وانتهى، ولا يمكن استحضاره إلى عالم اليوم، وهذا الدرس الإيراني يجب أن يستفيد منه أيضا أساطين ومنظرو (دولة الخلافة) من الحركات السنية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية. فلكل زمان منطقه وشروطه، الذي إذا لم تتواكب معها فإن المصير الذي انتهى إليه الإيرانيون، هو المصير الذي سينتهي إليه الحركيون السنة حتماً.
وأنا أعتقد جازما أن اجتثاث الإرهاب لن يتحقق إلا إذا اجتثثنا دوافعه وبواعثه، وأول هذه البواعث إلغاء (الدولة الوطنية) واستبدالها (بالدولة الأممية) كما يطمحون، شرعيتها ومبرر وجودها على الدين، لا فرق في ذلك بين سنة وشيعة. الإيرانيون الشيعة أسسوا دولة، وامتلكوا ثروات طائلة، وعملوا على تحقيق دولتهم التي تسعى إلى (تشييع) المسلمين، وبقوا يحاولون أربعة عقود، وحققوا بعض النجاحات، ولكنهم انتهوا إلى (المأزق) الذي يعيشون فيه الآن، فإما البقاء كدولة طبيعية، تحترم مفهوم الوطن، وإما السقوط.
وفي تقديري أن الإيرانيين مضطرون الآن للانتقال من مرحلة (ما يجب أن يكون) إلى التعامل (مع ما هو كائن)، أو بلغة أخرى من طموحاتهم الأيديولوجية المجنونة إلى التعامل مع الواقع بشروطه؛ فهل ستبقى إيران إذا تحولت من الثورة إلى الدولة؟
هذا ما سوف يجيب عنه المستقبل.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة