"لا يمكن الاستغناء عنك".. سينما تدعونا إلى الحب بلا تأجيل
الفيلم يروي حكاية "آبي" (غوغو مباثا راو) التي ترتبط بقصة حب منذ سنوات طفولتها الأولى مع (مكيل هوسمان) وأثناء التحضير لمراسم زواجهما.
"ثمة ما يجعلنا نتواطأ مع الدراما التي تتناول حكايات الحب حتى لو جاءت بحبكة مكررة".. هذا حكم عاطفي وليس حكماً نقدياً، فوفق هذا الأخير من شأن أن تطيح موازين التحليل والتشريح النقدي بكل ما في الحكاية من تدفق حار لمجرد أنه جاء في بناء درامي ضعيف أو مكشوف التفاصيل.. وهو الأمر الذي يفسر أحياناً حب الناس لما يعيب عليه النقاد، ولعل ذلك ينطبق على فيلم "لا يمكن الاستغناء عنك Irreplaceble You"، الذي يفيض بالعاطفة، ولا سيما بالنسبة لمن يهوى الغرق حتى لو في نصف شبر من الحب، لكن الفيلم وفق الميزان النقدي لا يتجاوز تقييمه النجمتين ونصف.
يرسم عنوان الفيلم "لا يمكن الاستغناء عنك" انطباعاً أولياً عن محتواه، وبلا تلميح يقول موجز حكايته، ولو قيس الأمر بالمعنى البليغ للعبارة، ولا سيما في ميزان العاشقين، فيمكن القول إن الفيلم ينصب شباكه للمشاهد من عتبة عنوانه.
يروي الفيلم حكاية "آبي" (غوغو مباثا راو) التي ترتبط بقصة حب منذ سنوات طفولتها الأولى مع "سام" (مكيل هوسمان) وفي أثناء التحضير لمراسم زواجهما تكتشف أن ما كانت تعتقد أنه بذرة جنين في رحمها هو في الحقيقة كتلة سرطانية، بحجم حبة اليوسفي، الأمر الذي يجعلها تعدل عن كل مخططات الزواج، والانشغال عوضاً عن ذلك بترتيب حياة حبيبها سام في مرحلة ما بعد موتها، وفي مقدمة تلك الترتيبات إيجاد صديقة مثالية له ترعاه بعد موتها.
الفكرة قفزت إلى بال "آبي" عندما أخبرها "ميرون" (كريسترفر واكن) صديقها في مجموعة دعم مرضى السرطان التي انضمت إليها، بأن "سام" سيعيش بالغالب بعدها بحالة "عاطفية تافهة ووقحة"، وهو الأمر الذي سيبدو مزعجاً لها ويدفعها لإجراء اختبارات لمجموعة من النساء لاختيار واحدة منهن لتكون شريكاً عاطفياً لحبيبها.
انشغال "آبي" بذلك سيسبب على نحو ما إقلاقاً لحالة العلاقة المستقرة بينها وبين سام، وهو الأمر الذي يتطور إلى خصام بينهما، ولا سيما بعد أن يزور "سام" بيت مضيفة الحانة المصورة التي تبدو صورة لشكل الحياة "الوقحة" التي توقعها ميرون لحبيبها سام، وهي الزيارة التي ستقصم ظهر العلاقة بين الاثنين، بل يصل الأمر لحد قيام آبي بطرد سام من بيتها.
إلا أن موت صديقها "ميرون" سرعان ما يرمم ما تهشم في العلاقة بين الاثنين، وكما ألهمها الرجل العجوز في حياته بفكرة البحث عن شريك مثالي لحبيبها، يلهمها بعد مماته بأن عليها أن تترك ما يجب أن يكون وتركز على ما كائن بالفعل.. تقول زوجة ميرون لها على لسان زوجها "أنت غافلة عن كل شيء بالقلق على سام وما سيحدث له وتحاولين السيطرة على كل شيء والتنبؤ بكل الاحتمالات والجزء الجيد يفوتك.. وهو الموجود حالياً".
هكذا تقرر آبي العودة إلى سام ليقضيا ما تبقا من عمرها معاً، فتعاود إجراء ترتيبات حفل الزفاف التي كانت أوقفتها حين علمت بمرضها بالسرطان، ولكنها ما أن تتم تلك الترتيبات حتى تفارق الحياة، ليجد سام نفسه في حفل الزفاف وحيداً دونها، يواصل الحفل وسط أصدقائهما كما لو أنها موجودة بينهم بالفعل.
تروى تلك الحكاية ابتداء من صوت "آبي" القادم من تحت تراب قبرها، أي أن المشاهد منذ الدقيقة الأولى للفيلم يدرك أن الصبية ستموت في نهاية الفيلم، وبأقل من دقيقتين سيكتشف كيف ولد الحب بينها وبين "سام" وكيف كبر وصار على نحو يدفعها إلى نسيان خوفها على نفسها من المرض، والتفكير بتبديد خوفها عليه، تالياً ستستغرق الحكاية أيضاً أقل من 10 دقائق لنعرف بإصابة بطلة الحكاية بمرض السرطان وقيامها بمباشرة العلاج، فيما تنشغل بقية زمن الفيلم بترتيب حياة حبيبها بانتظار موتها المرتقب.
هذا التقسيم الزمني السريع غير المتوازن لعناوين الحكاية سيطرح سؤالاً.. عماهية عوالم الحكاية وخصوصيتها؟
مبدئياً.. لا يبدو فيلم "لا يمكنك الاستغناء عنك" معنياً بمكابدات آبي من المرض الخبيث، بل إننا لا نرى أي تحولات في جسدها من جراء المرض أو علاجه الكيميائي، وكل ما نراه هو مجرد تساقط واحدة من خصلات شعرها فقط، الأمر الذي يؤكد أن الفيلم لا يتعامل مع آبي كمريضة سرطان، وإنما كواحدة ممن يرتبون حياة الآخرين في حياتهم قبيل موتهم.
تلك الثيمة لطالما وجدناها في السينما، وقرأناها في الصحف ولعل من بيننا من يعرف شخصيات قاموا بفعل مشابه، وذلك الأمر بلا شك كان معروفاً لكاتب الفيلم" بيس وول" ومخرجه "ستيفاني لينغ"، ومن ثم كان عليهما التفكير بالاشتغال على رفع درجة التشويق في الحكاية، وبناء حبكة فيها من الغموض اللامتوقع ما يدفع الناس لمتابعة حكاية يعرفون نهايتها.
على الأقل كان مطلوباً منهم صياغة حكاية حب تثير الشجون، وتورطنا كمشاهدين بمحبة العاشقين، تترك في نفوسنا غصة على موت الحبيبة.. يقول صديقهما "جيم" (زاك شيري) أنه كان ليتخلى عن كل علاقاته العابرة الكثيرة مع الفتيات لو أنه حظي بلحظة حب شبيهة بتلك التي تجمع بين سام وآبي، حسناً ولكننا لم نتحسس عظمة الحب الذي يجمع الاثنين كما يصوره لنا "جيم"، ولم نشهد مسارات للحكاية تدلل عليه سوى انشغال البطلة بالبحث عن فتاة مثالية لحبيبها.
الصورة على هذا النحو جعلت الفيلم أقل بكثير من حكاية مريضة سرطان تقاوم المرض بالحب، وأضعف من أن يكون حكاية حب يقلقها مرض السرطان.. إنه حائر بين الحكايتين، لكنه بكل الأحوال نجح في إيصال رسالته بأن على المرء أن يعيش حياته ولا يغفل عما هو كائن بين يديه الآن، بالتفكير بما قد يكون.
aXA6IDE4LjExOC4wLjQ4IA== جزيرة ام اند امز