ثورة العمل والذكاء الاصطناعي.. هل حان وقت إعادة توزيع تكلفة الوظائف؟
مع تسارع موجات الذكاء الاصطناعي وتوغلها في قلب الاقتصاد العالمي، يتجدد القلق من مستقبل الوظائف ومن قدرة المجتمعات على الحفاظ على توازنها الاجتماعي.
فبعد إعلان شركات عملاقة مثل أمازون وغولدمان ساكس عن آلاف التسريحات المرتبطة بالتقنيات الجديدة، يطرح خبراء الاقتصاد سؤالاً جوهرياً، كيف يمكن الاستفادة من مكاسب الابتكار دون التضحية بالعمال؟
تقاسم تكلفة العمل
ونقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية، عن الباحث الفرنسي بينوا بوريتس صاحب مبادرة مشروع قانون "الأمن الاقتصادي والاجتماعي"، تصوراً طموحاً لنظام جديد يعيد توزيع تكلفة العمل بين الشركات، بهدف حماية الوظائف وتعزيز الابتكار في آنٍ واحد.
واقترح بينوا بوريتس، صيغة جديدة لتقاسم تكلفة العمل بين الشركات، بما يضمن التوفيق بين الابتكار والتوظيف والتماسك الاجتماعي، وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن العملاق أمازون عزمه إلغاء 14 ألف وظيفة، بفضل اعتماده المتزايد على الذكاء الاصطناعي.
وللسبب نفسه، أبلغت مؤسسة جولدمان ساكس موظفيها بأنها تستعد لموجة جديدة من التسريحات خلال العام الجاري، وبصورة أعم، تشير دراسة لمجموعة "أديكو" إلى أن نحو نصف الشركات حول العالم خفّضت بالفعل من عدد موظفيها بسبب الذكاء الاصطناعي.
الثورات التقنية السابقة
هذه التكنولوجيا الجديدة تعيد إنتاج ما فعلته الثورات التقنية السابقة، زيادة الإنتاجية وخفض التكلفة لصالح المستهلكين، مقابل اختفاء مهن وقطاعات بأكملها، فيما يعرفه الخبير الاقتصادي جوزف شومبيتر بـ"الهدم الخلاق".
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن الفارق اليوم أن هذه الموجة لا تستهدف العمالة منخفضة المهارة فقط كما حدث مع الميكنة والعمل المتسلسل والروبوتات والمعلوماتية والبيغ داتا، بل تطال أيضاً الوظائف الفكرية.
ورغم أنه من غير المجدي رفض الابتكار الذي قد يحسن جودة حياتنا، إلا أنه لا يمكن أن يتحقق ذلك على حساب العمال أو تماسك المجتمع.
والثورات التقنية السابقة دمرت قطاعات وظيفية لم تستعد بالكامل، وظلت البطالة الجماعية واقعاً مزمناً، فيما يجد عدد متزايد من الأفراد صعوبة في العيش من دخولهم. ومع الذكاء الاصطناعي، يرجح أن تتفاقم الأزمة.
ولمواجهة هذا الواقع، يرى بوريتس أنه يجب إعادة صياغة قواعد اللعبة في سوق العمل، فحالياً تتحمل كل شركة بمفردها كامل تكلفة الأجور.
أما اقتراحه فيقوم على مبدأ جديد، تقاسم تكلفة العمل بحيث تتحمّل الشركة جزءاً فقط من التكلفة، بينما يمول باقي الأجر بشكل جماعي من بقية الشركات، وهذا من شأنه خلق حافز ضخم لزيادة التوظيف ورفع عدد فرص العمل المتاحة.
تفعيل المسؤولية الاجتماعية للشركات
واقترح بوريتس أن تحصل كل شركة على "مخصص شهري ثابت لكل وظيفة"، يمول بشكل جماعي من شركات القطاع الاقتصادي كافة.
وتساهم كل شركة بنسبة من الثروة التي تولدها، ويشكل هذا أساس مشروع "الأمن الاقتصادي والاجتماعي" وهو نظام يوازن تلقائياً بين المساهمات والمخصصات، بحيث تستفيد بعض الشركات فيما تتحمل أخرى عبئاً أكبر.
فالشركات التي تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي أو أي تكنولوجيا أخرى للتخلي عن العمال ستفقد المخصصات المتعلقة بالوظائف التي تلغيها. لكنها ستظل مطالبة، مثل غيرها، بدفع النسبة نفسها من ثروتها المنتجة. وبهذه الطريقة، تتحمل الشركات التي تُحدث قطيعة تكنولوجية جزءاً من تبعات قراراتها الاجتماعية.
وأوضحت "لوموند" أن هذا الاقتراح يذكر بمشروع "ضريبة الروبوتات" الذي طرحه المرشح الاشتراكي بنوا أمون خلال انتخابات 2017، والذي كان يهدف إلى جعل الروبوتات تساهم في تمويل الحماية الاجتماعية. لكن صعوبة تعريف الروبوت كانت عقبة.
أما النظام المقترح "ضريبة الروبوتات"، فيتجاوز المشكلة لأنه ينطبق على أي قفزة تكنولوجية، أياً كان شكلها.
كما أشار بوريتس إلى أن هذا النظام لا يعادي الابتكار، بل يشجع عليه، فاحتساب مساهمة كل شركة يعتمد على الفارق بين إيراداتها من المبيعات والدعم من جهة، ومصاريفها من مشتريات وضرائب من جهة أخرى.
وأضاف:"ما يعني أن كل إيراد يخضع للمساهمة، فيما كل استثمار أو عملية شراء، بما فيها التوظيف، يحظى بدعم جماعي. وبذلك، تساهم جميع الشركات فعلياً في تمويل الاستثمارات طويلة الأمد".
وبالتالي، يساعد نظام SES "ضريبة الروبوتات" الشركات على الاستثمار في التقنيات المتقدمة التي يمكنها تحسين ظروف المعيشة دون أن يكون ذلك على حساب الوظائف.
وأوضحت الصحيفة أن القيم السوقية الضخمة لبعض الشركات اليوم لا تتحقق إلا لأنها معفاة من أي مسؤولية اجتماعية، مشيرة إلي انه على العكس من ذلك، سيجعل النظام الجديد كل شركة مسؤولة عن اختياراتها: يستفيد إذا حافظت على الوظائف، ويعاقَب إذا تسببت في فقدانها.
وفي المحصلة، يهدف هذا النموذج إلى دعم التقدم والابتكار وزيادة الإنتاجية في إطار مجتمع متماسك يضمن لكل فرد مكانه، دون أن تتحول التكنولوجيا إلى محرك لإقصاء البشر.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTAg جزيرة ام اند امز