الاحترار يتسارع.. تقرير أممي يحذر من كوارث مناخية غير مسبوقة

في 28 مايو/أيار 2025، أصدرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تقريرها الجديد "تحديث المناخ العالمي من سنة إلى عقد (2025–2029)".
وحذرت المؤسسة الدولية من مخاطر تبعات التغيرات المناخية خلال الخمس سنوات المقبلة، والتي من المتوقع أن ترتفع فيها درجات الحرارة إلى مستويات قياسية ومعها نتائج كارثية فصلها التقرير.
إجماع على الاحترار
شهد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة العالمية؛ خاصة خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما حذرت منه العديد من التقارير التي أعدها باحثون ومتخصصون في جهات دولية رسمية؛ فعلى سبيل المثال، أشار "تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2024"، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، إلى أنه من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة العالمية بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين بين 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية، مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة.
من جانب آخر، أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى ارتفاع متوسط الحرارة العالمية إلى 1.45 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة عام 2023، وكان هذا الرقم قياسيًا وقتها، وسجل ذلك العام الأعلى في درجات الحرارة، إلى أن حطم العام 2024 ذلك الرقم القياسي ووصل إلى 1.55 درجة مئوية، وهي الأعلى حتى الآن.
وقد أشار التقرير السنوي الثاني لمؤشرات تغير المناخ العالمي الذي نُشر في دورية "إيرث سيستم ساينس داتا" (Earth System Science Data) في يونيو/حزيران عام 2024، إلى أنّ متوسط الحرارة العالمية يرتفع بمعدل 0.26 درجة مئوية كل عقد، وهذا معدل غير مسبوق. وفي حوار خاص سابق مع الدكتور "بيرس فوستر"، المؤلف الرئيسي للتقرير ومدير مركز بريستلي لمستقبل المناخ بجامعة ليدز في المملكة المتحدة، قال للعين الإخبارية أنّ بحسب بحثهم فإنّ الاحترار العالمي وصل في عام 2023 إلى 1.43 درجة مئوية، وأكثر من 90% من هذا الارتفاع في درجات الحرارة؛ أي 1.31 درجة مئوية ناتجة عن الأنشطة البشرية. وأشار أيضًا إلى أنّ تجاوز درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية والوصول إلى درجات قياسية أعلى أمرًا ممكنًا جدًا.
اتفاق باريس
في نهاية العام 2015، انعقد مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الحادية والعشرين (COP21)، وخرج اتفاق باريس الشهير والذي يُعد أحد الاتفاقات الرئيسية في مفاوضات المناخ، ويضم عدد من المواد، تُشير المادة الثانية منه إلى عدم تجاوز متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات عصر ما قبل الصناعة.
وصار هدف 1.5 درجة مئوية مشهورًا وتُرفع له شعارات في جميع مفاوضات العمل المناخي؛ فهناك العديد من الكوارث التي تنبأت بها الدراسات والتقارير الدولية في حال تجاوز الحرارة العالمية ذلك المتوسط. لكن يبدو أنّ الأمور تجري تجاه ما لا تشتهي السفن.
احتمالات!
خرج تقرير تحديث المناخ العالمي من سنة إلى عقد (2025-2029)، الذي أصدرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وأشار إلى عدة احتمالات فيما يتعلق بارتفاع متوسط درجات الحرارة على سطح الأرض بين عامي 2025 إلى 2029. وليس من المفاجئ أن تكون جميع الاحتمالات لارتفاع درجات الحرارة عالية. ويتجلى ذلك في النتائج التالية:
أشار التقرير لفترة (2025-2029) إلى أنّ يكون متوسط الاحترار خلال الأعوام الخمسة المقبلة أعلى من 1.5 درجة مئوية بنسبة 70%؛ علمًا بأنّ توقعات تقرير العام الماضي (2024-2029) كانت 47%، بينما توقعات التقرير الأسبق (2023-2027) بلغت 32%.
يتوقع التقرير بنسبة 80% أن يحطم عام على الأقل من الأعوام الخمسة المقبلة (2025-2029) رقمًا قياسيًا للعام الأحر على الإطلاق، وأن يكسر ذلك العام الرقم القياسي الذي سجله العام 2024 الذي سجل 1.55 درجة مئوية.
هناك احتمال بأن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية أعلى من مستويات عصر ما قبل الصناعة نسبته 86%، في عام واحد على الأقل من الأعوام الخمسة المقبلة.
يتوقع التقرير أن يترفع المتوسط السنوي العالمي لدرجات الحرارة في الأعوام بدءًا من 2025 إلى 2029، مقارنة بالمتوسط خلال الفترة بين 1850 إلى 1900 بمقدار يتراوح بين 1.2 إلى 1.9 درجة مئوية.
وتنبؤات
أشار التقرير أيضًا للعديد من التنبؤات والتوقعات بشأن تأثيرات الارتفاع في درجات الحرارة على طبيعة النظم البيئية الأرضية، ومن ضمن التأثيرات:
1- المنطقة القطبية الشمالية
تشمل المنطقة القطبية الشمالية العديد من البلدان حول العالم، وهي: ألاسكا وكندا والنرويج وروسيا والسويد وفنلندا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض أجزاء جزيرة جرينلاند (تحت حكم مملكة الدنمارك)، والمحيط المتجمد الشمالي. وتُعد منطقة القطب الشمالي من أكثر المناطق المتأثرة والمؤثرة بالمناخ الأرضي؛ فهي من جانب تضم كتل وأنهار جليدية على مساحات شاسعة؛ ومع ارتفاع درجات الحرارة، يذوب الجليد، ما يقلل من مساحة السطح الجليدي الأبيض للأرض والذي يلعب دورًا محوريًا في عكس أشعة الشمس للفضاء الخارجي، ومع تراجع ذلك الغطاء الجليدي، تزداد الأشعة الشمسية حاملة معها الحرارة للأرض.
لذلك، هناك اهتمام عالمي كبير بتلك المنطقة ومتابعة أحدث التطورات فيها. وفي التقرير، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة القطبية الشمالية خلال السنوات الخمسة المقبلة في أثناء فصل الشتاء بمعدل أعلى 3 أضعاف ونصف المتوسط العالمي. من جانب آخر، من المتوقع أن تنخفض تركيزات الجليد البحري في بحر بارنتس، بحر بيرنغ، وبحر أوخوتسك بين 2025 و2029.
2- هطول الأمطار
وجد التقرير أنّ أنماط هطول الأمطار متغيرة في الفترة ما بين مايو/أيار إلى سبتمبر/أيلول بين عامي 2025 إلى 2029؛ فهناك مناطق من المتوقع أن تجد ظروف هطول للأمطار أعلى من المتوسط في بعض المناطق مثل: شمال أوروبا وألاسكا وشمال سيبريا. بينما هناك بعض المناطق التي من المتوقع أن تواجه ظروفًا أكثر جفافًا. وهذا ما أشارت إليه بعض الدراسات من قبل بالفعل؛ أنّ التغيرات المناخية التي يشهدها كوكبنا خلال هذا العصر، ستقود إلى جعل بعض المناطق أكثر رطوبة ومناطق أخرى أكثر جفافًا، ويتجلى ذلك في التغيرات الواضحة في أنماط هطول الأمطار.
بنى مؤلفو التقرير تلك التوقعات المتعلقة بأنماط هطول الأمطار بناءً على فترة مرجعية تمتد بين 1991 إلى 2020. وأشاروا في التقرير أيضًا إلى أنّ منطقة جنوب آسيا من المتوقع أن تشهد المزيد من هطول الأمطار خلال الفترة 2025-2029.
في COP30
من المقرر أن ينطلق مؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ في دورته الثلاثين بين في نوفمبر/تشرين الثاني 2025 في بليم بالبرازيل، ومعه تنطلق مفاوضات المناخ وتُفتح العديد من الملفات على طاولات النقاشات، ومن المتوقع أن يُفتح ملف التخفيف وخفض الانبعاثات في ظل الارتفاعات المستمرة في درجات الحرارة.
من ناحية أخرى، ستُناقش "المساهمات المحددة وطنيًا"، التي قدمتها الأطراف وهي خطط العمل المناخي التي وضعتها تلك الأطراف لتوضح من خلالها جهودها وخططها للتكيف مع التغيرات المناخية وخفض الانبعاثات الدفيئة لتحقيق أهداف اتفاق باريس.
قد يكون هذا التقرير نذيرًا للمخاطر المتوقعة إذا استمر البشر في الأنشطة المسببة للاحترار العالمي؛ لكنه منبه لما قد تؤول إليه الأمور مستقبلًا إذا استمر الوضع على هذا المنوال.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjQg جزيرة ام اند امز