إيران أمعنت في انتهاك الاتفاق النووي مع تجاوز الحد الأقصى المسموح به من اليورانيوم المخصب، واستئناف التخصيب في منشأة فوردو
كشفت صفقة إفراج إيران عن الأمريكي شي يوه وانغ، الذي احتجز في إيران بتهمة التجسس في عام 2016، مقابل إطلاق سراح أمريكيين آخرين محتجزين في إيران، عن توجه أمريكي مأمول وفقا لتصريحات مسؤولين أمريكيين كبار عن إطلاق سراح أمريكيين آخرين محتجزين في إيران، والضغط على الجانب الإيراني للدخول في مفاوضات غير مباشرة بشأن قضايا أخرى.
الأمل بات ضعيفاً في التوصل إلى حل وسط فعليا، ومع ذلك ما تزال الإدارة الأمريكية تخطط للوصول لنقطة توافق جديدة يمكن أن تبدأ منها مفاوضات مع الجانب الإيراني، في ظل تحفظات إيران من عدم وجود حماية أوروبية لها من العقوبات الأمريكيةوفي ظل تكرار موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وطرحه إجراء محادثات مع إيران دون شروط، مع التأكيد على أن الرئيس وكبار مسؤولي الإدارة مستعدون للقاء مسؤولين إيرانيين دون شروط مسبقة، وهو ما قد يفتح الباب الموصود لإمكانية الدخول في مفاوضات حقيقية حول قضايا أمنية وسياسية أخرى تخص الملف النووي وملحقاته عبر الجانب السويسري الذي لعب دورا حقيقيا في التفاوض غير المباشر بين الجانبين، خاصة أن السفارة السويسرية في طهران تباشر دورا دبلوماسيا جيدا لدعم المصالح الأمريكية، حيث تم إغلاق السفارة الأمريكية هناك منذ استيلاء الطلاب عام 1979 وأزمة الرهائن التي استمرت 444 يوماً، وهو ما يمكن أن يمتد لاحقا إلى أداء دور سياسي في أي حوار مرتقب يعمل عليه الجانبان، وما يدعم هذا التوجه ما ذكره وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على "تويتر" مؤخرا، بأنه سعيد بأن موقف الحكومة الإيرانية كان بناء في إتمام صفقة التبادل، ومؤكد أنه لن يهدأ للإدارة الأمريكية بال حتى يعود إلى الوطن كل أمريكي تحتجزه إيران، أو أي بلد آخر حول العالم.
والواقع أن هذا المناخ الراهن في العلاقات الأمريكية الإيرانية والرسائل الأمريكية لإيران والتي سبق أن تكررت خلال الأشهر الأخيرة، لم تلق بالا جديا من الجانب الإيراني، الذي ما زال ماضيا في نهجه العدواني، فصحيح أنه قبل بالصفقة الأخيرة، وتم تسويقها إعلاميا وسياسيا بصورة بدت فيها أن ايران هي الرابح الأول من إتمامها، إلا أن كل الشواهد المأمولة أمريكيا جاءت في سياق آخر، ومختلفة لما تعمل عليه السياسة الإيرانية الحالية، خاصة بعد قيامها بتقليص التزاماتها بموجب الاتفاق المبرم في 2015، رداً على الانسحاب الأمريكي، وإعادة فرض العقوبات عليها التي أصابت اقتصادها بالشلل، وهو ما يشير إلى أن الأمل بات ضعيفاً في التوصل إلى حل وسط فعليا، ومع ذلك ما تزال الإدارة الأمريكية تخطط للوصول لنقطة توافق جديدة يمكن أن تبدأ منها مفاوضات مع الجانب الإيراني، في ظل تحفظات إيران من عدم وجود حماية أوروبية لها من العقوبات الأمريكية.
وعلى الرغم من أن إيران أمعنت في انتهاك الاتفاق النووي مع تجاوز الحد الأقصى المسموح به من اليورانيوم المخصب، واستئناف التخصيب في منشأة فوردو التي أخفتها إيران عن المفتشين النوويين التابعين للأمم المتحدة، وهو ما أكده أيضا اتهام المندوبين الدائمين لدى الأمم المتحدة إيران بأنها طورت صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية، في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن رقم 2231، في خطوة يمكن أن تفتح الباب مجددا أمام آلية إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، أو ما يسمى سناب باك، فيما ترى وكالات الاستخبارات الأمريكية، ووزارة الدفاع (عكس موقف الإدارة الأمريكية) حركة عدد من الصواريخ الباليستية الإيرانية قصيرة المدى في العراق خلال الأسابيع الأخيرة، وعودة إيران لمراوغتها الاستراتيجية في الإقليم وخارجه، وكان القرار 2231 قد دعا إيران إلى الامتناع عن النشاطات المتعلقة بالصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرة على إيصال أسلحة نووية، ولا يخفي على أحد أن إيران استغلت الفوضى الراهنة في العراق لبناء ترسانة خفية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى في العراق، وذلك كجزء من جهد متزايد لمحاولة إرهاب الإقليم بأكمله، وليس منطقة الخليج والعراق ولبنان وسوريا فقط، ويكفل وجود ترسانة من الصواريخ الإيرانية خارج حدودها مكاسب حقيقية للحكومة الإيرانية في أي مواجهة مع الولايات المتحدة، وإذا قصفت الولايات المتحدة أو إسرائيل إيران، فقد يستخدم جيشها الصواريخ المخبأة في العراق للرد، كما هو متردد في الأوساط الاستخباراتية الأمريكية.
إن السؤال المطروح: كيف ستستقيم الأمور للبدء في حوار أمريكي إيراني حول قضايا البرنامج النووي الإيراني والأنشطة والتحالفات الأمريكية والإيرانية في الشرق الأوسط، من أجل التعاون أو التفاهم في أفغانستان ومناطق أخرى؟ خاصة أن إيران ستظل تضع شروطها للحوار والمطالبة برفع العقوبات، والانتقال إلى مرحلة أخرى من المفاوضات حول تفكيك عناصر الأزمة قبل أي اتفاق للتفاوض، وربط ذلك بمواقف عامة محددة استثمارا لأجواء الموقف الأمريكي الساعي فعلا للتفاوض مع إيران بدون شروط، وهو ما أعطى الجانب الإيراني للاستمرار في موقفه متبنيا استراتيجية راسخة لم تتغير في مواجهة المواقف الأمريكية المتضاربة، والمتناقضة في أحيان كثيرة.
1
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة