في 18 أبريل/نيسان الماضي تم الإعلان عن القضاء نهائيا على البنية التحتية لداعش على شبكة الإنترنت
أعلن جهاز الشرطة الأوروبية "يوروبول" في الـ22 من نوفمبر المنصرم أنه شن حملة ضد الدعاية الجهادية على مدار يومي 21 و22 من الشهر المنصرم، الحملة تمّت بالتعاون مع 9 من أهم مزودي خدمة الإنترنت في العالم، بمن فيهم تيليجرام، جوجل، فيلس. أف أم، تويتر، أنستقرام ودروب بوكس، وبعد انتهاء الحملة ذكرت شبكة تيليجرام أنها أسقطت 2096 حساباً وحسابات آلية إرهابية يوم 22 نوفمبر، وفي اليوم التالي ألغت 2959 حساباً.
لنتصور أنه يتم إلقاء خطب متطرفة في مكان للعبادة، قد يكون أحد الحلول هو تحييد الشخص الذي يُلقي تلك الخطب وتدمير مكان العبادة، لكن ألن يكون أكثر منطقية تغيير الواعظ ومن ثم استهلاك موارد أقل؟ إذا كان داعش والقاعدة يستخدمان شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية فلماذا لا نستخدمها أيضاً في الدعاية المضادة؟
وليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها شن حملة ضد داعش على الإنترنت، ففي 16 أغسطس الماضي تم إطلاق أول حملة بهدف تدمير البنية التحتية الإلكترونية لوكالة أعماق، وهي المركز الإعلامي التابع للتنظيم، قادت هذه الحملة منتجي دعاية التنظيم إلى تغيير النطاق، ولكن ليس نيّاتهم.
في 17 يونيو الماضي، قاد الحرس المدني الإسباني عملية شاركت فيها يوروبول ويوروجوست والولايات المتحدة الأمريكية بهدف القضاء على وسائل إعلام داعش في الفضاء الافتراضي، وساعدت العملية على تحديد هوية متطرفين في 133 دولة.
في 18 أبريل الماضي، أعلن مكتب المدعي العام الاتحادي البلجيكي بالتعاون مع الشرطة القضائية الفيدرالية لفلاندرز الشرقية، وبدعم من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والوحدة الأوروبية لمتابعة محتوى الإنترنت ويوروجوست، عن القضاء نهائياً على البنية التحتية لداعش على شبكة الإنترنت. وانتهى ذلك بالقضاء على المحتوى الدعائي للإرهابيين، ما دفعهم إلى تحويله إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل بهدف الوصول إلى جمهورهم، مما قلل من نجاح العملية.
وفي 6 ديسمبر الماضي، تم إلغاء 3276 حساباً وحسابات آلية للإرهابيين في شبكة تيليجرام.، ولم تعلن يوروبول أنها شاركت في هذه العملية، في هذه الحالة بدأ الإرهابيون في إعداد "خطتهم ب" ومحاولة الانتقال إلى شبكات أخرى غير تيليجرام. وفي غضون بضعة أشهر استعاد الإرهابيون نشاطهم الكلي في تيليجرام، وهو ما دفع شرطة اليوروبول مرة أخرى في نوفمبر المنصرم للتحرك ضدهم.
حتى الآن، حققت كل هذه العمليات نجاحاً مؤقتاً، لكنه ليس كاملاً، ودون التقليل من شأن عملية اليوروبول، فإن إسكات صوت الإرهابيين لن يحل المشكلة. فهذا الجهد الذي استمر التحضير له أشهراً عديدة لم يمنع الإرهابيين من تنفيذ خطتهم البديلة على منصات أخرى؛ حيث يواصلون نشر دعايتهم. ونتساءل هنا: ألم يكن من الأفضل استخدام الشبكات والقنوات نفسها التي ينشط عليها الإرهابيون ونشر الدعاية المضادة بها؟ لن يكون إقناع إرهابي بأنه يتصرف بشكل سيء أمراً بالغ الصعوبة، عندما نكون محقين والوقت يثبت ذلك.
ولتوضيح الفكرة، نضرب المثال التالي: لنتصور أنه يتم إلقاء خطب متطرفة في مكان للعبادة، قد يكون أحد الحلول هو تحييد الشخص الذي يُلقي تلك الخطب وتدمير مكان العبادة، لكن ألن يكون أكثر منطقية تغيير الواعظ ومن ثم استهلاك موارد أقل؟ إذا كان داعش والقاعدة يستخدمان شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية فلماذا لا نستخدمها أيضاً في الدعاية المضادة؟
إن وجود هذا التيار الإرهابي يرجع أساساً إلى وجود فترة تلقين سابقة تتعرض لها الفئة هشة من السكان. هناك طريقتان لمكافحة هذه الظاهرة، تكمن الأولى في القضاء عليهم جميعاً، وهو أمر لا يتماشى مع منطق القرن الحادي والعشرين. أما الطريقة الثانية والتي تبدو أكثر ملائمة فهي استخدام التقنيات نفسها التي يستخدمونها لتعليم هذه الفئة من السكان بشكل صحيح. هذا شيء شاق للغاية، لكنه ضروري؛ لأننا يجب ألا ننسى أنه ولسنوات عديدة تأكدنا أن هذه الخطب المتطرفة لن تجلب أي شيء جيد، في الوقت الذي يتم فيه النظر إلى الاتجاه الآخر، وعليه.. لا يمكنك توقع حلها على المدى القصير.
مع هذه العملية الأخيرة، صادرت النيابة الفيدرالية البلجيكية والشرطة في هولندا وكندا والولايات المتحدة خوادم الإنترنت، وتمّت مصادرة المواد الدعائية في بلغاريا وفرنسا ورومانيا. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ألا ينبغي أن يكون هذا العمل قد تم في السابق في هذه البلدان دون انتظار عملية الإنتربول؟
إذا حافظ الضغط الممارس على دعاية داعش على هذا المستوى فسوف يتم تخفيض وجودها على الإنترنت بشكلٍ ملحوظ في البلدان الأكثر تنظيماً، ولكن ليس في بقية البلدان، لذلك سيكون الانتقال من السيطرة العالمية إلى أخرى محلية تكون مكافحتها في غاية الصعوبة. إذا كان من الممكن حتى الآن السيطرة على دعاية داعش إلى حدٍ ما من طرف بعض البلدان، ماذا لو تم نشر هذه الدعاية محلياً، فهل ستكون جميع الحكومات على قدر المسؤولية لمكافحتها أم بعضها فقط؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة