بـ50 ألف ملجأ محصن.. فنلندا جاهزة لأي حرب

مع تصاعد المخاوف من نزاع دولي واسع النطاق، تشهد فنلندا إقبالًا متزايدًا على ملاجئ الدفاع المدني الفريدة من نوعها.
وبحسب صحيفة "ديلي إكسبريس" البريطانية، تمتلك فنلندا شبكة واسعة من الملاجئ تصل إلى 50500 ملجأ محصن، قادرة على استيعاب 4.8 مليون فرد، أي ما يعادل 86 % من سكانها البالغين 5.6 مليون نسمة.
وتُستخدم العديد من هذه المنشآت كمرافق عامة في أوقات السلم، مثل أحواض السباحة والمتنزهات ومراكز الرياضة، التي يُعاد تهيئتها خلال 72 ساعة لتتحول إلى ملاجئ مضادة للقنابل.
أبرز الملاجئ الفنلندية هي حديقة إيتاكيسكوس المائية، التي تشكل أكبر ملجأ مدني في العالم والمزودة بحمام سباحة، وتتسع لـ3800 شخص.
وكذلك ملعب ميريهاكا تحت الأرض الذي يمكن تحويله من مركز ترفيهي إلى ملاذ آمن لـ6000 فرد، ومزود بمرشحات هواء مضادة للإشعاع والغازات.
وتصاعد الاهتمام بهذه المنشآت بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، حيث أصبحت فنلندا - التي انضمت لحلف الناتو عام 2023 - نموذجًا للاستعداد الاستراتيجي.
ووفقًا لـ"معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (SIPRI)، تُنفق فنلندا 2.4 % من ناتجها المحلي على الدفاع، مع خطة لرفع تلك النسبة إلى 3 % بحلول 2029، متفوقة على معظم دول الناتو.
جذور تاريخية: من حرب الشتاء إلى العصر النووي
تعود ثقافة الملاجئ الفنلندية إلى أزمات القرن العشرين. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 1939، أي قبل أسبوعين فقط من غزو الاتحاد السوفياتي (حرب الشتاء)، أقر البرلمان أول قانون لبناء الملاجئ. لكن التطور الحقيقي جاء بعد الحرب العالمية الثانية، عندما فرضت الحكومة على جميع المباني السكنية الجديدة (منذ 1950) تخصيص مساحة تحت الأرض كملجأ.
وبحسب دراسة لـ"جامعة هلسنكي"، فإن 60 % من الملاجئ الحالية مدمجة في مباني سكنية، بينما 30 % منها مرافق عامة قابلة للتحويل، و10 % منشآت عسكرية سرية.
ومنذ ذلك الحين، طوّرت فنلندا معايير صارمة تتضمن القدرة على تحمل الضغط الناتج عن انفجار يعادل 100 كيلو طن (أقوى 6 مرات من قنبلة هيروشيما)، وأنظمة ترشيح هواء متطورة ضد الغازات الكيميائية والإشعاع النووي. وكذلك إمدادات طاقة مستقلة لمدة أسبوعين على الأقل، وفقًا لـ"الوكالة الأوروبية للدفاع المدني".
مقارنة عالمية: ماذا عن دول أخرى؟
رغم تفوق فنلندا، تبرز دول أخرى في مجال الملاجئ النووية، حيث تتصدر سويسرا القائمة العالمية من حيث عدد الملاجئ بالنسبة لعدد السكان بملاجئ تستوعب 114 % من سكانها (بحسب "الاتحاد السويسري للدفاع المدني")، مع قانون يلزم كل مواطن ببناء ملجأ تحت منزله.
يأتي بعد ذلك السويد بـ 65000 ملجأ (قادرة على استيعاب 65 % من السكان)، لكن 40 % منها غير مُحدَّثة لمواجهة مخاطر الأسلحة الحديثة، وفق تقرير حكومي 2023.
بينما تدير كوريا الجنوبية 17000 ملجأ نشط، معظمها حول سول، كجزء من استراتيجية الردع ضد كوريا الشمالية.
في المقابل، تُظهر بيانات "هيئة الإدارة الفيدرالية للطوارئ" الأمريكية (FEMA) أن الولايات المتحدة تعتمد على إخلاء المدن الكبرى بدلًا من الملاجئ، مع وجود منشآت عامة تكفي لـ1 % فقط من السكان.
زيارة زيلينسكي والملك الدنماركي: رمزية دولية
لم تكن زيارة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لملجأ "ميريهاكا" في 2023 مجرد جولة إعلامية، بل كانت جزءًا من مفاوضات سرية لنقل الخبرة الفنلندية إلى أوكرانيا، حيث تخطط كييف لبناء 10000 ملجأ جديد بحلول 2026. كما أن زيارة العاهل الدنماركي في مارس/آذار 2024 هدفت إلى تعزيز التعاون الإسكندنافي في مجال الدفاع المدني المشترك.
رغم هذه الاستعدادات، يحذر خبراء مثل "مؤسسة راند" من أن التهديدات الحديثة (مثل الصواريخ فائقة السرعة) قد تتطلب تحديثات تقنية، بينما تُشير منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى ضرورة ضمان وصول الملاجئ للاجئين والمقيمين غير الدائمين في الأزمات.
وتعمل هلسنكي حاليًا على تطوير ملاجئ من الجيل الجديد تُدار بالذكاء الاصطناعي، مع أجهزة استشعار للكشف عن الهجمات الإلكترونية، وإنشاء "ممرات أمنية" تحت الأرض تربط بين المدن الكبرى، مستوحاة من شبكة "مترو-2" السرية في موسكو، وتصدير التكنولوجيا الدفاعية لدول البلطيق وأوكرانيا، كجزء من سياسة تصدير الأمن الفنلندية.