«الرصاصة القاتلة» في تشاد.. كيف أحرجت أمريكا والغرب و«شتت» المعارضة؟
على طريق سلسلة الانقلابات الأخيرة في غرب ووسط أفريقيا، كانت تشاد على موعد مع أحداث فوضى، وصفتها وسائل إعلام أمريكية بـ«الانقلاب الذاتي»، مشيرة إلى أنها تشكل اختباراً لالتزامات الغرب وقيمه.
فخلال ليلة 28 فبراير/شباط الماضي، وقع «انقلاب مربك وعنيف» في دولة تشاد الواقعة شمال وسط أفريقيا، بحسب موقع «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكي، الذي قال إنه يضع الولايات المتحدة والغرب، خاصة فرنسا، في موقف حرج.
فماذا حدث في تلك الليلة؟
في أعقاب الإعلان عن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية المقبلة، تعرض مقر وكالة الاستخبارات التشادية لهجوم، بعد اعتقال نائب زعيم الحزب الاشتراكي بلا حدود المعارض.
وبحسب «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكي فإن معارك الشوارع التي اندلعت في العاصمة أدت في النهاية إلى مقتل زعيم المعارضة التشادية يايا ديلو، بعد أن اقتحم الحرس الجمهوري الحكومي مقر الحزب المعارض. وكان ديلو قد صرح قبل يوم واحد فقط لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الناس يريدون «القضاء عليه جسديًا».
وديلو رئيس «الحزب الاشتراكي بلا حدود» هو ابن عم الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي، الذي انضم إلى حزبه صالح ديبي عم الرئيس.
فما تأثير الحادث على المعارضة؟
يقول الموقع الأمريكي، إن «الحزب الاشتراكي بلا حدود» ليس حزب المعارضة الوحيد في تشاد، مشيرًا إلى أن بعض أحزاب المعارضة باتت تخشى مصيرًا مشابهًا «بعد هذه الفوضى»، وخاصة مع توفير الأوضاع الحالية الذريعة اللازمة.
واتهم كثيرون في تشاد الحكومة بالوقوف خلف أعمال العنف الأخيرة التي أدت إلى مقتل ديلو، بحسب «ذا ناشيونال إنترست»، الذي قال إن هذا الصراع المعقد، مكن محمد إدريس ديبي من إزاحة أقوى خصم له وتشتيت بقية المعارضة، ما يجعله الآن مستعدًا للفوز بسهولة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما فعل والده ست مرات من قبل.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن تلك الأحداث هي بمثابة «تعريف لنوع من الانقلابات، يطلق عليه (الانقلاب الذاتي (حيث يستولي رئيس الدولة على المزيد من السلطة من داخل جهاز الدولة».
كيف أحرجت أمريكا والغرب؟
يقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن هذا الانقلاب يضع الولايات المتحدة والغرب، وخاصة فرنسا، في موقف حرج؛ فتشاد كانت شريكا أمنيا حيويا في منطقة مضطربة، بمساعدتها في محاربة الإرهابيين في منطقة الساحل واحتواء عدم الاستقرار الناجم عن ليبيا والسودان المجاورتين.
تعود هذه العلاقات الوثيقة إلى «حرب تويوتا» في أواخر الثمانينيات، حيث تمكنت تشاد، بدعم فرنسي، من احتواء الطموحات الإقليمية للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
وباعتبارها القوة الاستعمارية السابقة، تحتفظ فرنسا بعلاقات وثيقة مع تشاد وتساعد في تطوير صناعة النفط الناشئة في تشاد، بحسب الموقع الأمريكي، الذي قال إن الولايات المتحدة تدعم -كذلك- تشاد بسخاء من خلال المساعدات العسكرية والتدريب ومجموعة من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
فرصة لروسيا؟
«وبغض النظر عن سلسلة الأحداث المحيطة بالانقلاب الذاتي، ومن يدعم أي جهة أو فصيل، وإلى أي مدى، فإن روسيا هي المستفيد الأكبر من عدم الاستقرار في تشاد لأنه يقلل من قيمة تشاد كشريك إقليمي موالٍ للغرب»، بحسب «ذا ناشيونال إنترست».
وأشار إلى أن هذه العلاقة الوثيقة بين تشاد والغرب جعلت منها نقطة جذب للتدخل الروسي؛ فقائد مجموعة فاغنر الراحل يفغيني بريغوزين كان قد طلب من مرتزقة فاغنر «الاستعداد لأفريقيا».
إلا أن العلاقة بين روسيا وتشاد كانت متقلبة؛ ففي أبريل/نيسان 2023، أظهرت وثائق مسربة أن روسيا كانت تحاول إنشاء قواعد تدريب في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة في «مؤامرة متطورة للإطاحة بالحكومة التشادية».
وكانت تشاد لاحقًا إحدى الدول التي تجاهلت روسيا خلال القمة الروسية الأفريقية في يوليو/تموز 2023. وعندما وقع الانقلاب في النيجر المجاورة، والذي كان له أيضًا بصمات روسية، سافر محمد إدريس ديبي إلى النيجر للقاء الرئيس المخلوع ومحاولة الوساطة.
إلا أنه بعد أشهر فقط، وتحديدًا في يناير/كانون الثاني 2024، ذهب محمد إدريس ديبي إلى موسكو للتحدث مع بوتين .
وقبل الانقلاب، كانت تشاد تجاور دولتين صديقتين لروسيا (جمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر) ودولة أخرى ساعد فيها النفوذ الروسي في إحداث الفوضى (السودان).
فما الذي على أمريكا فعله؟
وأكد الموقع الأمريكي، أن الغرب قد يختار إدانة الانقلاب، ما يجعله يصب في مصلحة الاستراتيجية الروسية من خلال تقويض الدولة الهشة بالفعل وفتحها أمام النفوذ الروسي.
ورغم عدم وجود استجابات جيدة لهذه الأزمة، إلا أنها يمكن أن تكون بمثابة درس؛ فالولايات المتحدة والغرب هم المدافعون عن النظام الدولي ويستفيدون من السلام والاستقرار المعممين، بحسب «ذا ناشيونال إنترست»، الذي قال إنه بغض النظر عمن يتسبب في ذلك، فإن عدم الاستقرار يشكل لعنة ليس فقط بالنسبة للمبادئ الإنسانية الأساسية، بل أيضا بالنسبة للمصالح الأمريكية.
وشدد على أن الولايات المتحدة تحتاج إلى القيام بدور أكثر استباقية في مواجهة عملاء عدم الاستقرار، واستخدام المساعدات الأجنبية ومؤسسات التمويل بشكل أكثر ديناميكية لمواجهة هذه الإجراءات.
aXA6IDMuMTQ3LjY4LjM5IA== جزيرة ام اند امز