الإيزيديون.. ذاكرة مشوهة من أهوال داعش ومستقبل غامض
بالنسبة لعائلات الإيزيديين، تأتي الأحلام بمستقبل أفضل مع غصة؛ تتمثل في معرفتهم بما يتعين عليهم تركه خلفهم، وما لن يتعافى أبدا تقريبا.
وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، أن هذه الأرض التي استولى عليها تنظيم داعش منهم قبل تسعة أعوام، والتي في عدة حالات لم تعد إليهم بعد، ما زال هناك مفقودون: 50 من الأقارب في حالة فوزية (17 عاما)، وشقيقيها الصغيرين، وبمن في ذلك والدهم ووالدتهم، وأربعة أشقاء وشقيقتان.
وأضافت الصحيفة البريطانية أنهم يتطلعون إلى فرصة في حياة أفضل في أستراليا، لكنهم يعرفون أن المفقودين موجودون في مكان ما، بمكان آخر في العراق حيث يعيشون الآن، أو في سوريا؛ ربما ماتوا أو ربما لا يزالون على قيد الحياة ومحتجزين في ظروف قاسية لا يمكن تصورها.
وتعلم فوزية وفرحات (13 عاما) وإياس (14 عاما) أن أحد أشقائهم تُوفي لأن أحد المتطرفين جاء إلى معسكر التدريب العسكري حيث كان داعش يحتجز فرحات في سوريا لأربعة أعوام وأخبره بذلك.
وكان شقيقهم، فارس، بعمر 13 عاما، لكن داعش دربه على حمل السلاح، وتم توظيفه كحارس للمعسكر. ولقي مصرعه جراء غارة جوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة في الليلة قبلها، بحسب ما قيل لفرحات.
وقالت فوزية، بينما تجلس في كوخ تتشاركه مع شقيقيها الاثنين: "بالنسبة لباقي عائلتي، ليس لدي فكرة عن مكانهم".
ويعيش الأخ الأكبر، الذي كان مسافرا عندما سيطر داعش على قرية الوردية التي عاشت فيها العائلة في غرب العراق عام 2014، في الكوخ المجاور لمخيم النازحين في خانكي بكردستان العراق، ويعتني بهم هو وزوجته الجديدة.
وكان داعش قد ألقى القبض على زوجته الأولى وأطفاله الخمسة في ذلك اليوم في الوردية، ولم يرهم مجددا قط.
وكان هذا اليوم في أغسطس/آب عام 2014 عندما شن داعش ثاني هجوم له في شمالي العراق، بعدما استولى على مدن تكريت وسامراء والموصل قبلها بشهرين.
وذكرت "التايمز" أنه بتوجيه داعش ضربة متزامنة ضد المدن التي يعيش فيها المسيحيون في شرق البلد، كان تقدمهم كافياً لتدخل الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك بريطانيا، حيث أنهت دول التحالف أخيرًا "خلافة" داعش المزعومة بعدها بأكثر من أربع سنوات.
وفي حين بدأ العالم في نسيان ما حدث بعد ذلك، يعتبر هذا مستحيلا بالنسبة للإيزيديين، الذين أطلق النار على رجالهم بالآلاف على جوانب الطرق، واقتيدت نساؤهم وأطفالهم لبيعهم في مزادات "الرقيق" التابعة لداعش.
ووفقًا لعبد الله شريم، وهو شيخ إيزيدي أشرف على إنقاذ وعودة 399 "عبدًا" سابقًا، فإن 2600 من هؤلاء الأسرى ما زالوا في عداد المفقودين. ويعتقد أن ما يصل إلى ألف شخص ربما لا يزالون على قيد الحياة، وبعضهم لا يزال محتجزًا لدى خلايا داعش تحت الأرض، والبعض الآخر في مخيم الهول لعائلات داعش في شمال شرق سوريا.
وبين كل حين وآخر، يتم العثور على أحدهم، مما يعطي عائلات المفقودين بعض الأمل. وفي سبتمبر/أيلول، أعيدت وفاء علي عباس (18 عامًا)، إلى أسرتها بعد بلاغ أدى إلى مداهمة الخيمة التي كانت تحتجزها فيها عائلة داعشية اشترتها في الهول.
وكانت وفاء في التاسعة من عمرها عندما اختطفت هي وكثير من أفراد عائلتها من قريتهم كوجو في جنوب سنجار. لكن عادت فوزية إلى الديار في وقت أقرب، بعدما اختطفت وهي في الثامنة من عمرها، وبيعت "سبع أو ثماني مرات" خلال أربع سنوات.
وقد تعرضت لإساءات مروعة، لكن في عام 2018، بدا أن مقاتلاً أظهر تعاطفًا، أو ربما خوفًا من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الغرب، القوة التي يقودها الأكراد والتي استعادت شرق سوريا.
وتركها ذلك العنصر في الصحراء قرب أحد المساجد، حيث التجأت، وفي النهاية استقبلتها عائلة محلية مسلمة ولكنها ليست من داعش. وفي أثناء فرارهم من القتال، انتهى بهم الأمر أيضًا في الهول، حيث أبلغوا سلطات المخيم بهويتها الحقيقية.
ولم تر فوزية أي فرد من أفراد عائلتها لمدة أربع سنوات، منذ اقتيدوا واحدًا تلو الآخر، من المنزل الذي احتجزوا فيه في البداية. ولكن ذات يوم، جاء شقيقها إلى خيمتها ليأخذها.
وبحسب "التايمز"، لم يتحدد مصير الإيزيديين بعد، ويقول العديد منهم إنهم لا يزالون غير قادرين على العودة إلى ديارهم. ويتجه الآلاف بدلاً من ذلك إلى ألمانيا، التي تستضيف الآن أكبر عدد منهم خارج الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة إلى أن فوزية وإخوتها مدرجون ضمن قائمة طلبات لدى الأمم المتحدة للاستقرار في أستراليا، وذلك بينما يفكرون في إمكانية ظهور والديهم مرة أخرى، والتي ستكون معجزة، أو الاحتمال المتضائل بأن إخوتهم قد يكونون على قيد الحياة.