عام على اتفاق العُلا.. رؤية إماراتية لتعزيز التضامن الخليجي والعربي
رؤية إماراتية لتعزيز التضامن الخليجي والعربي بعد مرور عام على "اتفاق العلا"، ترتكز على"مزيد من التعاون.. والمضي قدماً نحو التكاتف".
رؤية تتضمن رسالة إماراتية واضحة بأن الوقت قد حان للانتقال لآفاق أرحب من التعاون بعد عام من طي صفحة الخلاف بين قطر ودول الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر).
خلاف تم طيه بموجب اتفاق العلا خلال القمة الخليجية الـ41 التي عقدت في محافظة العلا شمال غرب السعودية 5 يناير/كانون الثاني من العام الماضي، والذي تم التأكيد على مضامينه في القمة الخليجية الـ42 التي عقدت في الرياض 14 من الشهر الماضي.
تدعم تلك الرؤية -التي تتزامن مع بدء عضوية الإمارات في مجلس الأمن الدولي للفترة "2022-2023"- دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية الساعية لتعزيز الاستقرار والازدهار ونشر التسامح وتصفير أزمات المنطقة والنهوض بالمستقبل، وتعززها ثقة إماراتية بحكمة وقيادة السعودية وهو أمر لطالما أكدت عليه الإمارات.
أسس وقواعد
تلك الرؤية التي تتضمن العديد من الأسس والقواعد والأهداف الساعية لتحقيق الازدهار والاستقرار لدول المنطقة وضحت بشكل جلي في تغريدة الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات.
وقال الدكتور قرقاش في تغريدته، مساء الأحد: "مع مرور أكثر من عام على اتفاق العُلا وبجهد سعودي مقدّر ننظر في الإمارات بكل ثقة إلى المستقبل وإلى مزيد من التعاون المفضي إلى تعزيز الازدهار والاستقرار وتوطيد العلاقات الخليجية والعربية".
وتابع: "فما يشهده العالم من تحديات يحتم علينا المضي قدماً نحو التكاتف لما فيه خير شعوب المنطقة كافة".
تعاون وتكاتف
رؤية إماراتية تستهدف استثمار نجاح الجهود السعودية في طي صفحة الخلاف والتي توجتها الإمارات بفتح صفحة جديدة في علاقتها مع قطر، وتم دعمها بتعزيز العلاقات الخليجية المصرية، ومأسسة شراكتهما الاستراتيجية، عبر تدشين آلية التشاور السياسي المصري الخليجي الشهر الماضي.
دعوة ترى أن الوقت مهيأ الآن للاتجاه نحو "مزيد من التعاون.. والمضي قدماً نحو التكاتف".
تعاون يفضي إلى تعزيز الازدهار والاستقرار وتوطيد العلاقات الخليجية والعربية، وتكاتف بين دول المنطقة أضحى حتميا لمواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة والعالم.
دعوة تأتي بالتزامن مع بدء عضوية الإمارات في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين وسط سعي حثيث لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
كما تأتي في مستهل عام جديد، تنظر للمستقبل بثقة وتفاؤل، تستند إلى أجواء إيجابية مدعومة بجهود سعودية وتعاون إماراتي وخليجي وعربي استنادا إلى اتفاق العلا والقمة الخليجية بالرياض الشهر الماضي.
أجواء إيجابية
ملامح تلك الأجواء الإيجابية ظهرت في عودة العلاقات بين الإمارات وقطر إلى مسارها الطبيعي، وظهر ذلك جليا خلال احتفال الإمارات باليوم الوطني القطري 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
احتفال علق عليه د.قرقاش حينها، قائلا إن "احتفال الإمارات باليوم الوطني القطري يحمل دلالات ورسائل إيجابية تتجاوز التقاليد الأخوية بين دول الخليج العربي ليؤكد أن صفحة الخلاف طويت وأن اتفاق العُلا راسخ وجوهري".
وأضاف: "منظور الإمارات للتعامل مع تحديات العقود المقبلة يستند إلى طي الخلافات والبناء على المشترك وتعزيز التضامن والتعاون".
والتزاما منها بتنفيذ ما تم في إعلان العلا، وثقة بالدور القيادي الحكيم للسعودية ودعما للجهود الدبلوماسية التي تبذلها في تعزيز وحدة وتماسك مجلس التعاون الخليجي، بادرت الإمارات بطي صفحة الخلاف.
وأجرى الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، زيارة إلى قطر في 26 أغسطس/آب الماضي، هي الأولى من نوعها لمسؤول إماراتي رفيع منذ بدء الأزمة مع قطر، كما أنها الأولى من نوعها بعد اتفاق العلا.
هذه الزيارة، أكدت خلالها الإمارات أنها تمد أيادي السلام والتسامح لطي صفحة الخلافات، حرصا على إعادة العلاقات الأخوية إلى سابق عهدها من جانب، وتحقيق التضامن الخليجي، ونزع فتيل أية توترات بالمنطقة.
رسائل إماراتية صادقة، سرعان ما بادلتها قطر، برسائل مماثلة، الأمر الذي يمثل حرص قيادتي البلدين على العلاقات بينهما.
أيضا ظهرت تلك الملامح الإيجابية في الجولة الخليجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، التي زار خلالها سلطنة عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت، على التوالي، خلال الفترة من 6 إلى 10 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قبيل أيام من انطلاق القمة الخليجية الـ42 والتي أسهمت في بلورة رؤى خليجية موحدة تجاه مختلف القضايا.
الأجواء الإيجابية ظهرت أيضا على صعيد جهود تعزيز التضامن الخليجي، عبر توسع دول الخليج في إنشاء مجالس التنسيق لتطوير التعاون بينها.
وشهد يونيو/حزيران الماضي، عقد الدورة الأولى من مجلس التنسيق الكويتي السعودي، كما وقعت السعودية وعُمان خلال الزيارة التاريخية لسلطان عُمان هيثم بن طارق للمملكة في 11 يوليو/تموز الماضي على مذكرة تفاهم بشأن إنشاء مجلس تنسيق بين البلدين.
وتم رفع مستوى رئاسة مجلس التنسيق القطري السعودي إلى مستوى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي خلال اجتماعه الأخير 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
بالإضافة إلى إشادات الإمارات والسعودية، في بيان صادر في ختام زيارة ولي العهد السعودي، الشهر الماضي، بالمستوى المتميز للتعاون بينهما في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتنموية، وبما تحقّق من تعاون وتكامل تحت مظلة مجلس التنسيق السعودي الإماراتي.
وأكدا عزمهما على تعزيز وتطوير دور المجلس في المرحلة المقبلة في المجالات كافة.
كما ترأس ولي عهد السعودية والأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد البحريني، اجتماع مجلس التنسيق السعودي-البحريني الثاني خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان للمنامة.
وتم خلال الاجتماع بحث حزمة من المشاريع الاستثمارية الكبرى بمملكة البحرين، وتم استعراض 65 مبادرة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
كذلك ظهرت تلك الأجواء الإيجابية في "إكسبو 2020 دبي" الذي يعد أول إكسبو دولي يقام في العالم العربي، وأكبر حدث ثقافي في العالم، والتي وظفته الإمارات ليكون نافذة دبلوماسية وثقافية واقتصادية مفتوحة لتعزيز التعاون الثنائي مع مختلف دول العالم بشكل عام، ودول الخليج بشكل خاص، إما من خلال حرص قادة ومسؤولي الإمارات على زيارة أجنحة دول مجلس التعاون الخليجي، ونقل رسائل تعزز الترابط والأخوة، وإما من خلال استقبال مسؤولي دول الخليج بالمعرض وعقد مباحثات أو مناسبات وطنية تعزز التعاون الثنائي وتصب في دعم مسيرة التعاون الخليجي.
تصريحات ولقاءات ومباحثات شهدها إكسبو 2020 دبي استبقت القمة الخليجية الـ42، ودعمتها في تحقيق أهدافها في تعزيز ودعم مسيرة التعاون الخليجي وتوحيد الصف الخليجي.
أيضا ظهرت تلك الأجواء في تدشين آلية التشاور السياسي المصري الخليجي خلال اجتماع جمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع نظيرهم المصري سامح شكري وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، في العاصمة السعودية الرياض 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي إطار تلك الآلية، سيتم عقد اجتماعات دورية بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر إما على مستوى وزراء الخارجية وإما كبار المسؤولين لتعزيز التنسيق والتشاور حول القضايا والتحديات المشتركة، بما يسهم في تعزيز العلاقات بين الجانبين إلى آفاق أرحب، ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة بشكل عام ودعم الأمن القومي الخليجي والعربي بشكل خاص.
وتعد تلك الآلية الجديدة التي تم تدشينها هي إحدى ثمار إعلان العلا الصادر عن القمة الخليجية الـ41 التي عقدت في المملكة يوم 5 يناير/كانون الثاني الماضي.
وعلى وقع تلك الأجواء الإيجابية، عقدت القمة الخليجية الـ42 في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي في الرياض، ليصدر عنها بيان ختامي وإعلان حمل اسم "إعلان الرياض"، رسما خارطة طريق شاملة لتحقيق التكامل وتوحيد صف دول المجلس".
وجاء "إعلان الرياض" متضمنا ما يحصن دول مجلس التعاون من أي خلافات مستقبلية، بتأكيد قادة الخليج على الالتزام بالمادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك، التي تنص على "أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعًا".
فضلا عما نصت عليه الاتفاقية من "التزام الدول الأعضاء بالعمل الجماعي لمواجهة جميع التهديدات والتحديات".
وأكد قادة الخليج في البيان الختامي للقمة حرصهم "على قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، ورغبته في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، ووقوف دوله صفا واحدا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس".
وشدد البيان أيضا على مضامين إعلان العُلا الصادر في 5 يناير/كانون الثاني 2021، والتنفيذ الكامل والدقيق والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي أقرتها القمة الخليجية الـ36 ديسمبر/كانون الأول 2015 بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة.
كما وجه قادة الخليج "بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد"، واستكمال ما تبقى من خطوات لقيام الاتحاد الجمركي، والتنفيذ الكامل لمسارات السوق الخليجية المشتركة، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس بحلول عام 2025، كما وافق قادة الخليج "على إنشاء الهيئة الخليجية للسكك الحديدية".
الرؤية الإماراتية.. مستقبل واعد
إنجازات عديدة ترى الإمارات وجوب استثمارها عبر الاتجاه لزيادة التعاون بين دول المنطقة وتحقيق التكاتف بينها بما يصب في تحقيق الازدهار والاستقرار ومواجهة التحديات.
وضحت تلك الرؤية جلية أيضا في المباحثات الهاتفية التي جرت قبل 4 أيام بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والذي تم خلالها التأكيد على أهمية تعامل البلدين بمواقف متسقة ومتكاملة ترسخ الأمن العربي والإقليمي وتحافظ على استدامة التنمية في دول المنطقة.
رؤية إماراتية تتناغم مع مبادئ الخمسين التي اعتمدها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد للخمسين عاما القادمة.